السوريون: طوابير لا تنتهي.. والخبز يباع في السوق السوداء

السوريون: طوابير لا تنتهي.. والخبز يباع في السوق السوداء
صورة أرشيفية

أوضاع مأساوية يعيشها السوريون فالأزمات متلاحقة دون حلول جذرية وصعوبات المعيشة أصبحت جزءا طبيعيا من أسلوب الحياة فمن شح الوقود لانقطاع الكهرباء والماء لأزمات الخبز والدواء، لا تكاد أزمة تنكشف حتى تظهر أخرى أشد فتكًا، ويواجه الشعب السوري أزمة شديدة الصعوبة في تأمين الخبز بسبب عجز السلطات عن تأمين احتياجات الأفران من الدقيق المدعوم، لتضاف طوابير الخبز إلى طوابير الوقود والماء للحصول على عدة أرغفة تساعدهم على البقاء أحياء؛ ما دفع المواطنين للتساؤل هل من الطبيعي أن نرى جهود السلطات السورية لإعادة اللاجئين إلى سوريا، في حين أن أهل سوريا لا يجدون قوت يومهم ويمر يومهم بين عدة طوابير للحصول على الاحتياجات الأساسية فهل سيعود اللاجئون ليموتوا جوعًا؟

مرصد حقوق الإنسان: الأفران تغلق أبوابها والمشاجرات تسقط عشرات الجرحى يوميًا


غضب شديد انتاب السوريين بسبب انتشار صور لوضع أقفاص حديدية لتنظيم طوابير الحصول على الخبز، وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المشاجرات الجماعية لا تنتهي أمام الأفران، وآخرها في مدينة صوران شمال حماة بسبب الازدحام غير المسبوق على الأفران وتسببت المشاجرة في سقوط جرحى.


وأضاف المرصد: أن جميع الأفران في طول البلاد وعرضها تواجه أزمة حقيقية بسبب قلة ما تحصل عليه من الدقيق –الطحين– خاصة مع تسجيل الليرة السورية انخفاضًا جديد لقيمتها أمام العملات الأجنبية ووصولها إلى حاجز الـ2582 شراءً و2612 بيعا أمام الدولار.


كما أشار المرصد إلى أنّ "أفران ابن العميد" المشهورة في منطقة ركن الدين بالعاصمة دمشق، أُغلقت بسبب انعدام مادة الطحين المقدّمة إليها، وتزامن ذلك مع ازدحام خانق تشهده الأفران ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بسبب نقص كميات الطحين المقدمة للأفران.


وتعدّ "أفران ابن العميد"، التي يبلغ عددها خمسة أفران ملاصقة لبعضها، والواقعة في حيّ ركن الدين، الملاصق لجبل قاسيون في دمشق، من أهم الأفران التي يقصدها سكان وأهالي العاصمة وريفها.

عجز الموازنة.. وقانون قيصر.. وهدر الخبز.. أسباب تفاقم الأزمة


ويرى مراقبون أن أزمة الخبز ليست أزمة إهمال حالي بل نتيجة لتراكم الأخطاء، فبداية الأزمة عند الموازنة العامة التي تدعم القمح والسلع الأساسية، ونتيجة تغير سعر الصرف خسرت الموازنة أكثر من 80% من قدرتها على توفير احتياجات المواطنين حيث قدرت الموازنة وقتها على أساس سعر الصرف 435 ليرة أمام الدولار ولكن طوال العام السعر الحقيقي يتراوح بين الـ2200 والـ2500 ليرة لكل دولار.


وأضافوا: إذن من الطبيعي أن يختفي الدعم المخصص للسلع، الحكومة عاجزة عن الاستمرار في تمويل بنود موازنة 2020، ولم يبق أمامها إلا أن تستمر في تسيير الأعمال، خاصة أن البنك المركزي نفسه يعاني من إفلاس شديد ولا يمكنه المساهمة في استيراد السلع.


وتابعوا: إن البنك المركزي السوري حاول الإعلان عن عدة مناقصات لاستيراد القمح ولكنها اصطدمت بعدم القدرة على توفير المال، خاصة أن الأزمة البنكية في لبنان حالت دون فتح اعتمادات مستندية اعتمادًا على بنوك لبنان وهذا الذي شكل ضربة قوية لمحاولات سوريا للحصول على القمح.


وأشار المراقبون إلى أن قانون قيصر جاء ليزيد الطين بلة، فمعظم البنوك والشركات العالمية تخشى أن تقع في خطأ بتعاملها مع سوريا فتقع بسببه تحت طائلة عقوبات "قانون قيصر"، موضحين أن أزمة الخبز ستستمر بعض الوقت وليس أمام السوريين إلا تقليل الهالك والتالف من الخبز خاصة القطاعات العسكرية التي تنتج كميات ضخمة يتم إلقاؤها دون فائدة.


وأكدوا أن امتناع الإدارة الذاتية عن بيع القمح للنظام، وفي المقابل، عدم قدرة النظام نفسه على شرائه، وانخفاض القدرة الشرائية للناس لشراء الخبز غير المدعوم، شكّل ضغطاً على الأفران الحكومية، وعدم قدرة النظام على شراء الخبز من الأفران المدعومة وبيعها للمواطنين، كلّ هذا الأسباب شديدة القتامة، ألقت بظلالها على أزمة الخبز.

نشعر بالإهانة.. أحصل على إجازة من عملي لأقف في طوابير الخبز طوال اليوم


يقول سعد الصالح، 43 عامًا، يعيش في دمشق، حياتنا أصبحت مجموعة من الطوابير فلا نعرف هل نعمل لتوفير المال لشراء الحاجات الأساسية للحياة أم نترك العمل ونتفرغ للطوابير الطويلة التي لن يكون لها فائدة دون مال ندفعه.


وأضاف الصالح: الجميع هنا يشعر بالإهانة الشديد بسبب إجبارنا على الوقوف يوميًا عدة ساعات للحصول على 10 أرغفة لأسرة كاملة، أضطر لأخذ إجازة من عملي لأحصل على الخبز وأقف عدة ساعات لأحصل على ربطة واحدة وأذهب بها إلى المنزل لأنزل من جديد وأقف في طابور آخر في فرن آخر لأحصل على ربطة أخرى وأكرر هذا على مدار 16 ساعة طوال يوم الإجازة حتى أستطيع أن أوفر الخبز لأسرتي وأعمل باقي الأسبوع لتوفير ثمن الخبز.


وتابع: لا نفكر في خطورة الطوابير الطويلة في ظل المخاوف العالمية من الموجة الثانية من فيروس كورونا، فهل نتقي شر الفيروس ونموت جوعًا، لو لم أذهب إلى أفران الخبز سأموت وأطفالي جوعًا بنسبة 100%، أما إذا ذهبت فهناك احتمال ألا أصاب بالفيروس وأعود بالخبز لأطفالي سالمًا.

معظم السوريين يرغبون في الهجرة هربًا من الطوابير

في السياق ذاته، يقول ماجد غنّام، 32 عاما، غالبية الشعب السوري يعاني للحصول على رغيف الخبز، وعلى غرار الدولار بدأ الآن ظهور أسواق سوداء للخبز المسروق والذي يباع بأضعاف سعره الرسمي، ونضطر لشرائه لعدم وجود بديل فالطوابير طويلة وغير مسموح لنا بالحصول على أكثر من ربطة خبز واحدة لا تكفي أسرتي المكونة من 4 أفراد، خاصة أنني لا أستطيع النزول يوميًا وتضييع عدة ساعات للحصول على تلك الربطة.


وأضاف غنّام: أشعر بالدهشة من إصرار الحكومة على إطلاق مؤتمرات تدعو اللاجئين إلى العودة إلى بلادهم، في حين أن معظم من أعرفهم من أصدقائي وجيراني يبحثون دون ملل عن فرصة واحدة للهرب من الجحيم الذي نعيشه، فالرغبة في الهجرة أمر طبيعي وليس بسبب الخبز فقط، بل بسبب أننا نعيش دون معظم حاجاتنا الأساسية سواء كانت خبزا أو ماء نظيفا أو دواء أو كهرباء.


وتابع: حتى هذه اللحظات يتم إهدار القمح رغم الظروف الصعبة ونرى بأعيننا أطنانا من الخبز تستخدم علفًا للحيوانات بالإضافة إلى استمرار الفساد وتهريب القمح وأزمات الوقود الدائمة، فالأفران تعمل حتى تعطل وعندما تعطل لا يجد أصحابها قطع غيار للصيانة فتخرج عن الخدمة.