جماعة الإخوان.. تبديل الأقنعة في سبيل النفوذ
جماعة الإخوان.. تبديل الأقنعة في سبيل النفوذ

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين يومًا حركة تلتزم بثوابت فكرية أو مشروع وطني واضح، بل بدت دائمًا كتنظيم يجيد التكيّف مع المتغيرات، ويعيد إنتاج نفسه وفق متطلبات اللحظة السياسية.
وتتغير موازين القوى، مع خطاب الجماعة يتبدل معها، ليس نتيجة مراجعات فكرية أو تطور سياسي طبيعي، بل استجابة مباشرة لما يخدم مصالحها التنظيمية.
وتاريخ الجماعة منذ عقود يكشف عن قدرة غير معهودة على التخفي خلف شعارات عامة، واستخدامها كأدوات مرحلية تضمن البقاء، أو على الأقل، تمنحها فرصة للعودة حين تسوء الأحوال، وبينما ترفع الجماعة في الظاهر شعارات الحرية، والعدالة، والمشاركة، إلا أن ممارساتها تكشف عن مشروع يتجاوز الشعارات ليضع السلطة هدفًا نهائيًا لا حياد عنه.
اليمن.. التحولات تحت المجهر
من أكثر الأمثلة وضوحًا على هذا النهج، ما شهدته الساحة اليمنية خلال السنوات الماضية، فقبل اندلاع الاحتجاجات في عام 2011، كانت الجماعة من خلال واجهتها السياسية تستخدم خطابًا صارمًا تجاه الحراك الجنوبي، وتتهمه بالانفصالية وتهديد وحدة الدولة.
لكن الجماعة بدلت لهجتها بعد تغير موازين القوى وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، وبدأت تتحدث بلغة التوافق والوحدة، وكأن المبدأ لم يكن يومًا حاكمًا لمواقفها، بل مجرد أداة تُستخدم أو تُستبدل بحسب الحاجة.
هذا التحول لم يكن معزولًا، بل تكرر مع كل منعطف سياسي، وكأن الجماعة تسير بمنطق البوصلة التنظيمية، لا البوصلة الوطنية.
تحالفات مصلحية لا تعترف بالثوابت
أكثر ما يثير الجدل في سلوك الجماعة هو استعدادها الدائم لإعادة رسم خارطة تحالفاتها، حتى مع أطراف كانت تصنّفها خصومًا أو تمثل نقيضًا فكريًا واضحًا لها.
في اليمن، على سبيل المثال، ظهرت مؤشرات تنسيق غير مباشر مع جماعات كانت حتى الأمس القريب في خصومة معلنة مع الإخوان، وقد تجلى ذلك في تقاطعات إعلامية وتحركات سياسية غامضة، أوحت بأن الجماعة لا تتردد في مد الجسور إذا كان ذلك يمنحها فرصة للتموضع من جديد.
في مثل هذه السياقات، تغيب المبادئ كليًا، ليحل محلها منطق البراغماتية المطلقة، حيث تصبح المواقف قابلة للتعديل أو النفي أو حتى التناقض، وفق مقتضى الضرورة.
الدين أداة.. لا هدف
ومن بين أخطر أدوات الجماعة، توظيف الدين في الخطاب السياسي لتحقيق أغراض دنيوية محضة، فبينما تتحدث عن القيم الإسلامية، تعيد تفسير النصوص وتطويعها بما يخدم توجهاتها، وتلبس مشروعها عباءة دينية توحي بأنها الممثل الوحيد للحق.
الاستخدام الممنهج للدين في العمل السياسي يخلق بيئة غير مستقرة، ويغذي الانقسامات داخل المجتمعات، كما يضعف من تأثير الخطاب الديني المعتدل، ويكرس حالة من الشك والتوجّس لدى المواطن العادي.
في الداخل والخارج.. جلدٌ يتغيّر
ولا يقتصر تبدل مواقف الجماعة على الداخل فحسب، بل يشمل الحضور الإخواني في الخارج، حيث تظهر في بعض الدول وجهًا براغماتيًا يتحدث بلغة الانفتاح والحوار، بينما تمضي في دول أخرى بخطاب تعبوي وتحريضي، بحسب البيئة السياسية التي تتحرك فيها.
التلون الاخواني يهدف إلى الحفاظ على حد أدنى من النفوذ والشرعية في المحافل الدولية، بينما يواصل التنظيم العمل على إعادة بناء شبكاته التقليدية في الخفاء.
وخلاصة تجربة الإخوان في دول عديدة تشير أن ما يقدم على أنه مشروع إصلاح لم يكن في الواقع إلا غطاء لمشروع سلطة قائم على اختراق الدولة من داخلها، والتغلغل في مؤسساتها، ثم إحكام السيطرة عليها.
المشروع لا يعترف بمفهوم الدولة الحديثة كمؤسسات مستقلة، بل يراها أدوات قابلة للتفكيك وإعادة التشكيل وفق هندسة تنظيمية تستهدف التمكين لا الشراكة، وفي هذا السياق، يصبح مفهوم "المراجعة" أو "التطوير" بالنسبة إلى الجماعة، مجرد حيلة أخرى في مسار طويل من الالتفاف على الحقائق، وتبديل الوجوه دون تغيير جوهري في البنية الفكرية.