جنرال غزة: من هو قائد فرع فلسطين بالحرس الثوري الذي اغتالته إسرائيل
جنرال غزة: من هو قائد فرع فلسطين بالحرس الثوري الذي اغتالته إسرائيل

في مدينة قم، التي تُعد إحدى القلاع الدينية والسياسية للنظام الإيراني، امتزجت أصوات الانفجارات بصدى الصدمة، استهدفت طائرات إسرائيلية شقة سكنية في بناية عادية، لتُسدل الستار على حياة أحد أكثر العقول غموضًا في هيكل الحرس الثوري: محمد سعيد إيزادي، قائد "فرع فلسطين" في فيلق القدس.
لم يكن الرجل مجرد حلقة وصل بين طهران وغزة، بل بمثابة مهندس خفي لشبكة التمويل والتسليح التي ربطت الجمهورية الإسلامية بالفصائل الفلسطينية المسلحة، وبينما التزمت إيران الصمت الرسمي، وتحدثت وسائل إعلامها عن "عمليتي اغتيال" في قم، كانت تل أبيب تحتفي بنجاح ما تصفه بـ"الحملة الأعمق على الإطلاق داخل العمق الإيراني"، فمن هو إيزادي؟ ولماذا أصبح هدفًا إسرائيليًا بهذا الوزن؟ وماذا يعني هذا الاغتيال في سياق التصعيد بين تل أبيب وطهران بعد حرب غزة؟
رجل الظلال بين طهران وغزة
لم يكن اسم محمد سعيد إيزادي متداولًا في وسائل الإعلام قبل استهدافه الأخير، لكنه كان معروفًا في أروقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والغربية بصفته رأس "فرع فلسطين" في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
هذا الفرع يتولى التنسيق مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويؤمن لهما التمويل، ويشرف على التدريب ونقل السلاح، خاصة عبر لبنان وسوريا.
شغل إيزادي أيضًا منصب قائد "الوحدة الفلسطينية"، التي كان مقرها الأساسي في لبنان وتعمل تحت مظلة حزب الله.
وهذه الوحدة تُعد بمثابة ذراع تنفيذية لطهران داخل الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، حيث تتداخل السياسة بالعمليات الميدانية.
رجل المهمات الخاصة والسابع من أكتوبر
بحسب مصادر إسرائيلية، فإن إيزادي لعب دورًا مباشرًا في التحضير لهجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنّته كتائب القسام وأدى إلى مقتل مئات الإسرائيليين.
تشير التقديرات، أنه كان المسؤول عن تمرير الدعم المالي والتقني الذي سهّل تنفيذ العملية، كما كان أحد أبرز مهندسي استراتيجية التنسيق بين الفصائل داخل غزة وخارجها.
ولم تكن تل أبيب وحدها من لاحظت صعوده داخل منظومة الحرس الثوري، إذ فرضت عليه كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات في ديسمبر 2023، إلى جانب ستة من كبار القادة في الحرس الثوري، بتهمة الانخراط في دعم الإرهاب وتنسيق عمليات هجومية خارج الحدود.
شخصية مستهدفة منذ سنوات
بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كان إيزادي على رأس قائمة الاغتيالات الإسرائيلية منذ سنوات.
وورد اسمه في وثائق عسكرية إسرائيلية ضمن دائرة قادة الحرس الثوري الذين تربطهم علاقات مباشرة بقيادات حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار، الذي اغتالته إسرائيل أيضًا في عام 2024.
تشير مصادر استخباراتية، أن إيزادي زار جنوب لبنان أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية، في إطار تنسيق غير مباشر بين حزب الله وحماس.
عملية قم.. اختراق أمني غير مسبوق؟
الضربة الجوية التي استهدفته في مدينة قم ليست مجرد عملية اغتيال، بل رسالة صاخبة داخل إيران نفسها.
فقم ليست مدينة هامشية، بل تُعد من أكثر المناطق أمنًا وحساسية، وتضم مواقع دينية وسياسية ومقار أمنية سرية.
ويؤكد مراقبون، إن اختراق هذه المدينة، واستهداف شقة يقطنها مسؤول في الحرس الثوري، يشير إلى اختراق استخباراتي كبير يتيح لإسرائيل الوصول إلى أهدافها في قلب إيران.
توسّع في بنك الأهداف.. رأس الهرم يهتز
الاغتيال يأتي ضمن حملة إسرائيلية وصفتها مصادر بأنها الأوسع ضد البنية القيادية للحرس الثوري، فمنذ 13 يونيو فقط، قُتل أكثر من 30 قائدًا عسكريًا إيرانيًا، من بينهم رئيس الأركان محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، إضافة إلى عددٍ من القادة البارزين في سلاحي الجو والطائرات المسيّرة.
وهذا يشير أن تل أبيب لم تعد تكتفي بضرب الأذرع، بل باتت تستهدف العصب المركزي للنظام الأمني الإيراني.
الصمت الإيراني.. تكتيك أم ارتباك؟
حتى الآن، لم تصدر طهران بيانًا رسميًا يقر بمقتل إيزادي، الإعلام الإيراني تحدث بشكل مقتضب عن "اغتيالين" في قم، دون الإفصاح عن الأسماء، رغم أن مصادر غربية أكدت استهداف إيزادي تحديدًا.
هذا الصمت قد يُفسَّر بأنه محاولة لإعادة تقييم أمني داخل الحرس الثوري، أو لتفادي إحراج سياسي داخل البلاد، في وقت تشهد فيه إيران سلسلة ضربات موجعة.
ارتدادات إقليمية محتملة
اغتيال إيزادي قد يعيد خلط الأوراق في ساحة المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، خصوصًا على جبهة الجنوب اللبناني وقطاع غزة.
فالرجل كان يمتلك شبكة اتصالات وخبرة ميدانية تعوّل عليها طهران في التنسيق مع حلفائها، ورغم أن البنية التنظيمية في فيلق القدس قد تعوّدت على تعويض خسائرها سريعًا، إلا أن تكرار الضربات بهذا النسق قد يحدّ من فاعليتها العملياتية، أو يدفعها إلى الرد عبر أطراف ثالثة.