سجون طرابلس.. أزمة أممية مؤقتة أم مأزق دائم؟

سجون طرابلس.. أزمة أممية مؤقتة أم مأزق دائم؟

سجون طرابلس.. أزمة أممية مؤقتة أم مأزق دائم؟
سجون طرابلس

لم تعد العاصمة الليبية طرابلس، ساحة لتصادم الميليشيات وسباق السيطرة فقط، بل باتت تكشف عن وجه أكثر قسوة، يتجسد في المراكز السرية والرسمية للاحتجاز، والتي تحولت إلى مسارح لانتهاكات حقوق الإنسان. 

وما كان يتم تداوله على استحياء أصبح اليوم واقعًا موثقًا، بعدما تسربت صور ومقاطع فيديو تؤكد حجم الفظائع المرتكبة، ويضع المجتمع الدولي أمام سؤال أخلاقي وسياسي، هل ما يحدث في سجون طرابلس أزمة طارئة، أم صورة من أزمة أعمق تضرب بنية الدولة ذاتها؟

دولة داخل السجن.. وسجون بلا دولة

الواقع الذي بدأ يتكشف تباعًا يشير أن هذه المراكز لم تكن مجرد أماكن احتجاز تقليدية، بل بمثابة جزر أمنية معزولة، تدار خارج إطار القانون الرسمي، وتخضع لسلطة مجموعات مسلحة فرضت نفوذها بقوة السلاح وليس عبر مؤسسات الدولة، وتشير الأدلة التي خرجت إلى العلن إلى وجود مقابر جماعية، أدوات تعذيب، وجثث لم تسجل في أي سجل قانوني أو قضائي.

الاكتشافات، رغم فظاعتها، لم تكن مفاجئة بالكامل للمتابعين، فقد سبق لمؤسسات أممية أن نبهت إلى وجود انتهاكات في مراكز الاحتجاز، إلا أن ما تم العثور عليه مؤخرًا أكد أن الأمور كانت أسوأ مما تصوره كثيرون.

أدلة متفحمة.. وإفلات من العقاب

في فترات زمنية قصيرة، توافدت معلومات حول انتشال جثث متفحمة من أحد مقرات الأمن داخل العاصمة، إلى جانب وجود عشرات الجثث الأخرى في ثلاجات طبية، بعضها في حالة تحلل تام، وترافق ذلك مع صور لأدوات استخدمت فيما يبدو لعمليات تعذيب، وأخرى تشير إلى تنفيذ إعدامات خارج القانون.

الأدلة، التي بدأت تجمع وتوثق، تهدد بكشف سلسلة من الجرائم المنظمة التي لم يكن لها أن تحدث دون غطاء من الإفلات الكامل من العقاب، في مشهد يتقاطع فيه ضعف الدولة مع تغول جماعات ترفع شعار الأمن، وتمارس أبشع أشكال القمع باسم الاستقرار.

تحركات فوق الركام

التحرك الرسمي في طرابلس جاء متأخرًا وتحت ضغط التقارير الدولية والمطالبات الأممية، وتم الإعلان عن تشكيل لجان حقوقية وأمنية لمتابعة الوضع، وسط تعهدات بإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، لكن هذه الخطوات، رغم رمزيتها، تقابل بتشكيك واسع، نظراً لتكرارها في أزمات سابقة دون نتائج ملموسة.

وما يحدث في سجون طرابلس ليس فقط انتهاكًا لحقوق أفراد، بل هو انعكاس لانهيار منظومة العدالة ومؤسسات الدولة، غياب المحاسبة، ووجود سلطات موازية، وتحكم غير خاضع للقانون، كلها عوامل تفتح الباب أمام جرائم مماثلة قد تُرتكب دون أن تُكشف.

في شوارع طرابلس، لم تعد الاحتجاجات تقتصر على مطالب خدمية أو سياسية، بل اتخذت طابعًا أخلاقيًا وإنسانيًا، مع تصاعد الغضب من الصور التي خرجت من مراكز الاحتجاز، تصاعد السخط الشعبي ينبئ بتحوّل نوعي في المزاج العام، مع دعوات متزايدة لإعادة الاعتبار للمؤسسات، والتخلص من تسلط الجماعات المسلحة.

المجتمع الدولي يرى فيما يحدث فرصة نادرة للضغط من أجل إصلاح شامل، لكن الوقائع على الأرض أكثر تعقيدًا. فالميليشيات ليست فقط فاعلاً أمنيًا، بل اقتصاديًا وسياسيًا، وتحالفاتها تمتد داخل أجهزة الدولة نفسها.

ويقول المحلل السياسي الليبي مهدي كشبور: إن ما يجري في سجون طرابلس يمثل وجهًا عميقًا للأزمة الليبية، وليس مجرد تجاوزات أمنية معزولة، مشيرًا أن استمرار وجود مراكز احتجاز خارجة عن الإطار الرسمي يعكس فشل الدولة في احتكار أدوات العنف وفرض سيادة القانون.

وأضاف كشبور - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن ما تم اكتشافه لا يخرج عن سياق التمدد الميليشياوي في طرابلس، حيث تحوّلت أجهزة موازية إلى أدوات أمنية تتصرف خارج أطر الدولة، بل وتتمتع بحماية ضمنية من أطراف داخل السلطة.

وتابع: التصعيد الأخير يكشف خطورة التواطؤ السياسي مع كيانات مسلحة لا تخضع لأي رقابة قضائية، والأخطر أن بعض هذه الكيانات باتت تملك نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا يجعل من محاسبتها أمرًا بالغ التعقيد.

كما أشار أن خطوة تشكيل لجان حقوقية وأمنية، رغم أهميتها، ستظل شكلية إذا لم تترجم إلى تفكيك فعلي لهذه البنى الأمنية الموازية.