بين الأنقاض والصقيع.. نازحو غزة يصارعون للبقاء
بين الأنقاض والصقيع.. نازحو غزة يصارعون للبقاء

تحت وطأة البرد القارس، يعيش النازحون في قطاع غزة واحدة من أقسى فصول مأساتهم، حيث يتحول الشتاء إلى عدو جديد يهدد حياة من فقدوا منازلهم.
في ظل انعدام وسائل التدفئة وانقطاع الإمدادات الأساسية، يجد سكان القطاع أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الصقيع، وسط ظروف إنسانية كارثية تتفاقم يومًا بعد يوم، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، ما تزال المساعدات عالقة عند الحواجز، فيما ترفض إسرائيل إدخال معدات إزالة الركام والخيام والمساكن المؤقتة، ما يجعل النازحون محاصرين بين البرد والجوع.
ومع مرور كل ليلة باردة، تتزايد المخاوف من ارتفاع أعداد الضحايا، لا سيما بين الأطفال والرضع الذين لا يقوون على تحمل درجات الحرارة المتدنية، وفيما تصطف خيام النزوح مكان البيوت المدمرة، تتزايد المطالبات بتدخل دولي عاجل لإنقاذ من تبقى، في وقت يواجه فيه القطاع أزمة إنسانية غير مسبوقة، وسط تساؤلات عن حجم الكارثة التي قد يخلفها الشتاء القادم.
الشتاء القاتل.. غزة في مواجهة الطبيعة بلا حماية
تحت سماء غزة الباردة، لا شيء يقي أجساد النازحين من برد الشتاء القارس، حيث أصبحت الخيام الهشة التي نصبت على عجل مأوى لا يحمي من الرياح العاتية ولا من الأمطار الغزيرة.
ومع انهيار البنية التحتية بالكامل، بات القطاع يعاني من شلل تام في الخدمات الأساسية، ما يزيد من معاناة السكان الذين فقدوا منازلهم وأحبابهم.
لا تقتصر المعاناة على فقدان المأوى، فغياب وسائل التدفئة جعل النازحين أكثر عرضة للأمراض الشتوية، خاصة الأطفال وكبار السن الذين يعانون من نقص التغذية والمياه النظيفة.
ويؤكد الأطباء، أن موجة البرد الحالية هي الأخطر منذ سنوات، إذ تسببت بالفعل في وفيات بين الرضع وحديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة أجسادهم إلى مستويات قاتلة.
وجدناها متجمدة بين أيدينا
وبحسب شبكة «سي إن إن» الأميركية، فقد أعلن المدير العام لوزارة الصحة بغزة الدكتور منير البرش، عن وفاة طفلة حديثة الولادة، تبلغ من العمر 3 أسابيع، وتدعى سيلا محمود الفصيح، بعد أن تجمدت حتى الموت في مخيم النازحين بمنطقة المواصي في خان يونس جنوب قطاع غزة.
ومن جهته، أعلن الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم طب الأطفال والتوليد في مستشفى ناصر في خان يونس، وفاة طفلين آخرين في مخيمات غزة خلال اليومين الماضيين - يبلغان من العمر ثلاثة أيام وشهر واحد - بسبب انخفاض درجات الحرارة وعدم القدرة على الوصول إلى مأوى دافئ.
وأظهرت لقطات لـ«سي إن إن» من ساحة في المواصي جسد سيلا الصغير ملفوفاً بأكفان بيضاء، ووالدها محمود البالغ من العمر 31 عاماً، يحتضنها في داخل خيمة صغيرة جلست ناريمان والدة الطفلة، وقالت: ماتت سيلا من البرد، كنت أقوم بتدفئتها واحتضانها، لكن لم يكن لدينا ملابس إضافية لتدفئتها.
أزمة صحية متفاقمة ونقص في الإمكانيات
يحذر الأطباء في غزة من كارثة صحية تتفاقم مع استمرار موجات البرد، الدكتور أحمد السيد، طبيب أطفال في أحد المستشفيات الميدانية، يقول: إن أعداد الحالات التي تصل يوميًا بسبب البرد الحاد تفوق قدرة الطواقم الطبية، مضيفًا لـ"العرب مباشر"، نرى أطفالًا بدرجات حرارة جسم منخفضة تصل إلى 33 درجة مئوية، وهذا يعني أنهم في مرحلة الخطر، المستشفيات لا تملك الأدوية الكافية ولا حتى أجهزة التدفئة لإنقاذهم.
وبحسب تقارير طبية، فإن المستشفيات الميدانية تعاني من نقص حاد في المعدات؛ مما يجعل إنقاذ الأطفال المصابين بانخفاض حرارة الجسم مهمة شبه مستحيلة، ومع انهيار القطاع الصحي بسبب الحرب، أصبحت هذه الحالات تواجه مصيرًا مظلمًا دون حلول تلوح في الأفق.
المنظمات الإنسانية تحذر.. ولكن لا حلول قريبة
تحذر المنظمات الإغاثية من أن استمرار منع إدخال المساعدات إلى غزة سيؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا خلال الأسابيع القادمة.
يقول أحد مسؤولي الإغاثة في منظمة دولية، المشهد في غزة كارثي الأسر تعيش في العراء بلا طعام كافٍ أو وسائل تدفئة الأوضاع لا تحتمل أي تأخير إضافي في إدخال المساعدات.
ورغم المناشدات الدولية، ما تزال قوافل المساعدات متوقفة على المعابر، مما يزيد من تعقيد الأزمة، ومع كل يوم يمر، يصبح الموت تجمدًا مصيرًا يلاحق النازحين، الذين لا يملكون سوى الصبر والأمل في أن يصل الدعم قبل فوات الأوان.