الغذاء العالمي ينسحب من جحيم الحوثي.. من يدفع الثمن؟
الغذاء العالمي ينسحب من جحيم الحوثي.. من يدفع الثمن؟

أعلن برنامج الأغذية العالمي عن توقف تام لتدفق المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي منذ أبريل الماضي، في لحظة تعكس عمق المأساة الإنسانية في اليمن، بعد حادثة نهب مستودع غذائي في محافظة صعدة.
التوقف الدولي لا يمثل فقط أزمة إغاثية طارئة، بل يفتح الباب أمام مجاعة زاحفة، يدفع ثمنها الملايين من المدنيين العزل في البلاد التي تعاني من التدخلات الإيرانية.
البرنامج أوضح أن عمليات النهب التي طالت أحد أهم مراكزه اللوجستية في معقل الحوثيين تسببت في انقطاع توزيع المساعدات الغذائية والتغذوية، ليجد ملايين اليمنيين أنفسهم فجأة خارج مظلة الحماية الدولية، في بلد يعاني أصلاً من إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
مجاعة معلنة ومعاناة متفاقمة
تظهر المؤشرات أن أكثر من 21 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينهم نحو 9 ملايين على حافة المجاعة.
ومع انسحاب أكبر برنامج إغاثي دولي من المحافظات الشمالية، تصبح هذه الأرقام مجرد بداية لأزمة أشد قسوة، فيما يبدو أن الحوثيين يواصلون استغلال معاناة المدنيين كورقة ضغط.
في ظل غياب ضمانات حقيقية لأمن عمليات الإغاثة، تتعرض فرق العمل الدولية للنهب والاعتداء، ويمنع بعضها من الوصول إلى المحتاجين، بينما تصادر المساعدات وتفرض الإتاوات على الشحنات، وسط قيود معرقلة لحركة المنظمات وفرقها العاملة.
أزمات متراكمة في كل القطاعات
تتعدى آثار القيود الحوثية القطاع الغذائي، لتضرب عصب الحياة في البلاد، والقطاع الصحي بات على حافة الانهيار، مع عودة انتشار أوبئة مثل الكوليرا والحصبة والملاريا، في حين يعيش نحو 4.5 مليون نازح أوضاعًا إنسانية مأساوية داخل مخيمات تفتقر لأبسط الخدمات.
القطاع التعليمي هو الآخر يواجه انهيارًا تامًا، حيث يوجد أكثر من 4.5 مليون طفل خارج أسوار المدارس، بسبب النزوح المتكرر وغياب الدعم الحكومي.
الأطفال والنساء على وجه الخصوص يتحملون تبعات الحرب النفسية والاجتماعية، في ظل غياب أي برامج رعاية حقيقية تخفف من وطأة الألم الجماعي.
الجوع كأداة حرب صامتة
تتحدث التقارير الميدانية عن سياسة ممنهجة تستخدم فيها جماعة الحوثي الجوع والحرمان من الخدمات الأساسية وسيلة للسيطرة والابتزاز، ما يشبه حصارًا إنسانيًا صامتًا.
ملايين الأطفال في مناطق الحوثيين يفتقرون إلى التعليم والرعاية الصحية، في مشهد قاتم يطغى عليه غياب الأفق وانعدام الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
الأرقام المفزعة تكشف أن نحو 2.5 مليون طفل حرموا من التعليم، فيما يواجه أكثر من مليوني طفل دون سن الخامسة سوء تغذية حاد، بينهم 200 ألف يتهددهم خطر الموت الفوري.
الحديدة.. نموذج للحرمان الجماعي
في محافظة الحديدة، بلغ الوضع حدًا مأساويا، مع منع آلاف الصيادين من ممارسة مهنتهم، ومصادرة أراضي المواطنين، ما حرم آلاف الأسر من مصدر رزقها ودفعها إلى التشرد، هذه المحافظة تمثل نموذجًا صارخًا لكيفية تحول المناطق الغنية بالموارد إلى بؤر للجوع، نتيجة تدخلات الجماعة المسلحة.
مطالبات دولية بإعادة التموضع
في ظل انسداد الأفق، تتصاعد الدعوات لنقل مقار المنظمات الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن، بهدف تقليص تأثير جماعة الحوثي على عمليات الإغاثة، وضمان رقابة فعالة على مسار المساعدات، فاليمن لا يحتمل مزيدًا من التجويع، ولا من المساومة على حياة الملايين.
ويقول المحلل السياسي اليمني، صهيب ناصر الحميري: إن انسحاب برنامج الأغذية العالمي من مناطق سيطرة الحوثيين يعكس حجم الانفلات الأمني وسياسة الإذلال الممنهج التي تمارسها الجماعة ضد المؤسسات الإنسانية، ومليشيات الحوثي تتعامل مع المساعدات الدولية على أنها غنيمة حرب، وليست حقاً إنسانياً للمواطنين.
وأشار الحميري - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إلى أن نهب مستودعات الغذاء ومنع فرق الإغاثة من العمل بحرية، يدخل في إطار سياسة الضغط على المجتمع الدولي وابتزازه، وما يحدث ليس مجرد أزمة لوجستية، بل هو جزء من استراتيجية حوثية تقوم على استخدام الجوع كسلاح سياسي، وتوظيف معاناة المدنيين لكسب أوراق تفاوضية على طاولة المفاوضات الدولية.