عدالة اجتماعية غائبة واقتصاد منهار.. الشعب التونسي ينتفض مجددًا

عدالة اجتماعية غائبة واقتصاد منهار.. الشعب التونسي ينتفض مجددًا
صورة أرشيفية

حالة من الغضب وانتفاضة تونسية جديدة تشهدها الأيام الحالية، العدالة الاجتماعية الغائبة كانت المحرك الرئيسي لغضب الشعب التونسي بعد سيطرة تنظيم الإخوان على الحكم في تونس، ووجد الشباب أنفسهم في طريق مسدود، فالأزمات الاقتصادية متلاحقة والتحركات الاحتجاجية لا تتوقف، فالغضب الشعبي تجاه الطبقة الحاكمة لتونس منذ عام 2011 ما زال مشتعلًا وانفجرت الأوضاع في محافظة القصرين غرب تونس والتي تم تصنيفها على أنها أفقر محافظات تونس حسب المعهد التونسي للإحصاء؛ ما دفع مئات الأهالي الغاضبين لإغلاق حقل الدولاب النفطي وتعطيل إنتاجه مطالبين بحقهم في التنمية والتشغيل وتحسين ظروفهم الحياتية.

التظاهرات تضرب تونس.. والبطالة والفقر أبرز الأسباب

المتظاهرون طالبوا الحكومة التونسية بتنمية المحافظات الأشد فقرًا وعلى رأسها محافظة تطاوين والقصرين، لمواجهة ارتفاع نسب البطالة التي وصلت إلى 32% حسب الإحصاءات الرسمية التونسية.


وانفجرت أمام الحكومة، خلال الأسابيع الأخيرة، عدّة أزمات، لا يبدو أنّها ستشهد انخفاضاً، منها: اعتصام مئات المواطنين في محافظة الكاف، شمال غربي البلاد، ويوم غضب في مدينة الشابة دفعت جزءاً من أهاليها إلى تنفيذ هجرة جماعيّة نحو إيطاليا، قبل أن يصدّهم الحرس البحريّ التونسيّ.


وشهدت منطقة "الرديف" من محافظة قفصة (وسط غرب تونس)، بداية تحركات شعبية للمطالبة بإتاحة فرص عمل، إضافةً إلى تحركات اجتماعية سابقة، عرفتها، الأسبوع الماضي، منطقتا "المكناسي" وجلمة من محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس).


كما وجّهت عدة منظمات وجمعيات بمحافظة القيروان (وسط غرب تونس) رسالة مفتوحةً إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمانيين، طالبوا فيها بحقّه بالمحافظة في التنمية والتشغيل، معبّرين عن "استعدادهم التامّ للدخول في كلّ الأشكال النضالية المشروعة للدفاع عن المطالب الملحّة للجهة في صورة تمادي التجاهل والتسويف"، بحسب نصّ الرسالة.

مراقبون يحذرون من اقتراب وقوع سيناريو 2011 مجددًا
وحذر مراقبون من التحركات الاحتجاجية الحالية معتبرين أنها تسير على نفس الخطى التي سارت عليها الاحتجاجات في 2011، بل وتنطلق من المحافظات ذاتها التي بدأت تظاهرات منذ عشر سنوات، وأبرزها محافظة قابس (جنوب شرق)، تليها محافظة القصرين، ثم القيروان، فسيدي بوزيد، ثم قفضة، وهي محافظات وسط غرب تونس.


مؤكدين أن التحركات الاحتجاجية أمر طبيعي للغاية، إذا ما نظرنا إلى أن تلك المحافظات هي الأولى في تونس من حيث نسب البطالة ومؤشر الفقر والتنمية، وأيضاً من حيث نسب إنجاز المشاريع العمومية، رغم أنّها تعتمد في الغالب على القطاع الحكومي، نظراً إلى غياب المشاريع الخاصة فيها بسبب طابعها الجغرافيّ، كما تعتبر أكثر المحافظات التونسية طردًا للشباب وتعاني من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.


وتظهر أغلب الدراسات الحكومية، وغير الرسمية، تمركز النسب العالية للفقراء في الجهات الغربية من البلاد، خاصة في الوسط الغربي، كما كان المؤشر الأعلى للبطالة في البلاد عام 2011، لجهة الوسط الغربي (28.6%)، تليها جهة الجنوب الغربي (24.8%)، في حين أنّها لم تتجاوز 11% في الوسط الشرقي.


وكشفت دراسة حديثة أصدرها المعهد التونسي للإحصاء ارتفاع نسبة الفقر بشكل كبير على مستوى الوسط الغربي، المكوّن من محافظات (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد)؛ إذ يعدّ هذا الإقليم، وفق الدراسة، أحد أفقر الجهات، بمعدّل 29.3%.

فقدنا الثقة في الحكومة.. والثورة ستعود لتصحيح الأوضاع


يقول حسن بن علي، 34 عامًا، بداية الثورة في تونس قامت بسبب الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية، ثم تطورت تدريجيًا لتطالب بالحريات ولكن الأساس كان الاقتصاد والظروف الاجتماعية.


وأضاف عليّ: جميع الأهداف التي اندلعت من أجلها الثورة لم تتحقق فلا عدالة اجتماعية نرى، ولا ظروفًا اقتصادية تحسنت، بل زاد الأمر سوءًا بشكل غير مسبوق، مضيفًا الطبقة الحاكمة منشغلة بالألاعيب السياسية وتتناسى الأزمات الحقيقية التي تمس الشعب بأكمله.


وتابع عليّ: فقدنا الثقة في الحكومة، فالمسؤولون لا يعملون وفق إستراتيجية ورؤية واضحة، والاحتجاجات الشعبية أمر متوقع فلا أحد يستطيع لومنا على رغبتنا في الخروج من كابوس التهميش والفقر والبطالة، والاحتجاجات ستتحول إلى ثورة عارمة إذا لم نلمس تحركًا إيجابيًّا من الدولة.

تفشي وباء «كورونا» أظهر حقيقة الأزمة الاقتصادية.. ونترقب الرد الحكومي


في السياق ذاته، يقول فخر الدين وهبي، 42 عامًا، تفشي وباء كورونا أظهر حقيقة الأزمات التي نعيشها في تونس، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية شديدة الصعوبة ولم تحتمل تداعيات فيروس كورونا وانهارت سريعًا، مضيفًا أن التحركات شعبية خالصة وليس وراءها أي أحزاب أو منظمات أو نقابات، وننتظر أن تسمع الحكومة صرخات الاحتجاج الشعبية بدلًا من التعامل بالتراخي المعتاد الذي أدى لتفاقم الأزمات طوال السنوات الماضية.


وأضاف وهبي: تحرك رئيس الحكومة سريعًا وموافقته على مطالب شباب "تطاوين" أمر جيد وننتظر أن يتم التعامل بالمثل في باقي مناطق الاحتجاجات، فالجميع يعلم أن تحرك الدولة بتلك السرعة جاء بسبب الضغوط التي مارسها الشباب بعد تسللهم لمنطقة ضخ النفط والغاز وإغلاق صمام الضخ؛ ما أجبر الحكومة على الموافقة على المطالب لإعادة فتح صمام الجهاز لتجاوز تداعيات الإغلاق الخطيرة على الاقتصاد الوطني بعد تهديدات الشركات الدولية بالمغادرة.


وتابع وهبي: كثرة التحركات الاحتجاجية تضعف الدولة وتنهك مؤسساتها، والجميع يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن محاولات الأحزاب الإسلامية للسيطرة على تلك الاحتجاجات وتحويلها إلى مكاسب سياسية لها، ولكن الفقر فاق الحدود والتحركات أصبحت حياة أو موتًا.