غزة تنزف.. المجازر الإسرائيلية تتواصل رغم اتساع جبهات الحرب مع إيران

غزة تنزف.. المجازر الإسرائيلية تتواصل رغم اتساع جبهات الحرب مع إيران

غزة تنزف.. المجازر الإسرائيلية تتواصل رغم اتساع جبهات الحرب مع إيران
حرب غزة

فيما تتصدّر أجواء المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية عناوين الصحف وتحليلات الشاشات، تُترك غزة لتدفع الثمن بصمت ثقيل، فبينما تتسابق الطائرات والصواريخ فوق سماء طهران وتل أبيب، تتوالى المجازر اليومية في قطاع غزة وكأن شيئًا لم يتغيّر، سوى غياب الاهتمام العالمي، لم توقف الحرب الإقليمية آلة القتل الإسرائيلية، بل زادتها خبثًا وخفاءً، الأرقام لا تكذب: عشرات الشهداء يوميًا، معظمهم من النساء والأطفال، يسقطون لا في المعارك، بل أثناء انتظارهم رغيف خبز أو كيس طحين، ومع تراجع الوجود الميداني الإسرائيلي، تظهر تكتيكات جديدة أكثر فتكًا، تُدار عن بُعد وتنفَّذ من السماء، أما الأماكن التي يُفترض أن تكون ملاذًا للناجين، كمراكز توزيع المساعدات، فقد تحوّلت إلى أهداف قاتلة.

*مجازر بلا توقف*


رغم اشتداد التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران واتساع رقعة الاشتباك في أكثر من جبهة، ما تزال غزة تعيش تحت نيران مستمرة، تُحصد فيها الأرواح بلا توقف.

منذ اندلاع التصعيد بين طهران وتل أبيب، خفّت تغطية الأخبار الواردة من القطاع المحاصر، لكن آلة الحرب لم تهدأ، بل واصلت عملها بأدوات مختلفة وأكثر دهاءً.

تشير بيانات وزارة الصحة في غزة، أن متوسط عدد الضحايا يوميًا يتراوح بين 40 و70 شخصًا، بينما وصلت بعض الأيام إلى نحو 100 قتيل، معظمهم من المدنيين، وبالأخص من ينتظرون المساعدات الإنسانية.

هذه الأرقام تكشف أن الحرب لم تتراجع في شدّتها، بل أعادت تموضعها على نحو مختلف وأكثر استهدافًا للفئات الأضعف.

*انسحاب شكلي وتحكّم ناري*


على الأرض، تشهد عدة مناطق انسحابًا ميدانيًا لقوات الاحتلال، لاسيما في أحياء الشجاعية والتفاح بمدينة غزة، وجباليا وبيت لاهيا في الشمال، وبعض مناطق خان يونس جنوبًا.

 لكن هذا الانسحاب لا يعني انتهاء الخطر، بل يبدو تكتيكيًا يهدف إلى تقليل الخسائر الإسرائيلية وتوسيع هامش المناورة، خاصة بعد التورط في صراعات على جبهات متعددة في الضفة الغربية وسوريا ولبنان.

المصادر الميدانية تفيد بأن إسرائيل لم تتخلَّ عن سيطرتها النارية، بل تحوّلت إلى استخدام الطائرات المسيّرة والدبابات عن بُعد، بالإضافة إلى آليات إلكترونية تسير من دون جنود.

هذه الوسائل تُستخدم لبث الرعب، وللتأكيد على أن الاحتلال ما زال قادرًا على الفتك متى شاء، دون أن يكلّف نفسه عناء التورط الميداني المباشر.

*غارات على الطحين والدم*


الاستهداف الأكثر دموية يأتي في محيط مراكز توزيع المساعدات، فبدلاً من حماية هذه المناطق بوصفها نقاط إغاثة، يتم قصفها بدقة قاتلة، آخر المجازر سُجّلت قرب محور نتساريم وسط القطاع، حيث سقط عشرات الضحايا أثناء انتظارهم لشاحنة معونات. 

شهادات الدفاع المدني والطواقم الطبية تؤكد أن الأطفال والنساء كانوا في الصفوف الأولى، في مشهد بات يتكرر أكثر من أن يُصنّف صدفة.

وقد نقلت مشافي العودة وشهداء الأقصى جثثًا ممزقة وجروحًا غائرة، بعضها لا يمكن تمييز هويته، بسبب قوة القصف واستهداف التجمعات البشرية.

وفي خان يونس، كرر الاحتلال السيناريو ذاته، مستهدفًا شارع الطينة، حيث كانت حشود تنتظر الطعام. ستة شهداء وعشرات الجرحى سقطوا في دقائق، فيما لم تستطع سيارات الإسعاف الوصول فورًا بسبب استمرار إطلاق النار.

*تراجع تحليق الطائرات.. لا الغارات*


رغم انخفاض تحليق الطائرات الحربية، فإن الغارات الجوية لم تتوقف، بل باتت أكثر دقة من حيث الاستهداف.

يقول مراقبون: إن هذا النمط يعكس توجهًا إسرائيليًا لتركيز الجهد العسكري في غزة بأقل عدد من الجنود، مستفيدين من تقنيات قتالية متطورة، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي في تتبع الأهداف.

كما تتواصل سياسة قطع الإنترنت والاتصالات في القطاع، بهدف عزل السكان عن العالم ومنع توثيق المجازر بالصوت والصورة، خاصة مع بدء عودة المدنيين إلى بعض المناطق لتفقد بقايا منازلهم.

*نقاط موت*


في بيان شديد اللهجة، اتهمت حركة «حماس» إسرائيل بتحويل نقاط توزيع المساعدات إلى "مصائد موت جماعي".

وأكدت الحركة، أن الاحتلال يستهدف بشكل مباشر خيام النازحين والمنازل المأهولة، كما حصل مؤخرًا في مخيم الشاطئ وجباليا، «هذه ليست أخطاء عسكرية»، تقول الحركة: بل «سياسة ممنهجة للتنكيل بالمدنيين»، مطالبة بتحقيق دولي ومحاسبة قادة الاحتلال. 

وناشدت حماس المجتمع الدولي التحرك لوقف هذه الجرائم، التي تجري - بحسب وصفها - أمام مرأى ومسمع الجميع دون أي ردع.

*أين العالم من غزة؟*


مع انشغال الإعلام العالمي والدوائر السياسية بالحرب الإسرائيلية – الإيرانية، يبدو أن غزة قد أُهملت عمدًا من خريطة التغطية والاهتمام، وكأن المجازر اليومية أصبحت روتينًا معتادًا لا يستحق العناوين العريضة، لكن الأرقام، والشهادات، والرائحة الثقيلة للموت في شوارع غزة، تصرخ بما يكفي لتذكير الجميع أن المأساة لم تنتهِ، بل تتجدّد كل صباح، فقط بعيدًا عن الكاميرا.