توابيت العودة.. صفقة الموت والحياة بين غزة وتل أبيب
توابيت العودة.. صفقة الموت والحياة بين غزة وتل أبيب

في تطور بارز يعكس التوتر المستمر في المنطقة، أعلنت السلطات الإسرائيلية تسلمها أربعة توابيت يُعتقد أنها تحتوي على رفات أربعة من الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا محتجزين في قطاع غزة.
عملية التسليم جاءت في إطار صفقة تبادل للأسرى والمعتقلين بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، شملت إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، بالإضافة إلى معتقلين كانوا محتجزين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
وأكدت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن عملية التبادل تمت خلال ساعات الليل، في إطار اتفاق هش لوقف إطلاق النار، يُعد بمثابة هدنة مؤقتة بين إسرائيل وحركة حماس، في ظل جهود مكثفة للحفاظ على الهدوء، وسط مخاوف من انهيار التهدئة مع اقتراب نهاية المهلة المحددة لها.
عملية تبادل أخيرة
وتُشكل عملية التبادل الأخيرة المرحلة الختامية للهدنة المستمرة منذ 42 يومًا، والتي يُتوقع انتهاؤها مع نهاية الأسبوع الجاري، إلا إذا تم التوصل لاتفاق جديد لتمديدها.
وفي هذا السياق، أعلنت حركة حماس استعدادها للدخول في مفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق، بعد تأكيدها أنها سلمت رفات كل من تساحي عيدان، وإسحاق إلجارات، وأوهاد يهلومي، وشلومو مانتسور.
وكان الأسرى الأربعة قد اختطفوا في الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
وأكد منتدى عائلات الرهائن والمفقودين في إسرائيل نبأ مقتل الرهائن الأربعة، معربًا عن تضامنه مع عائلاتهم في هذا المصاب الجلل، ومشيرًا إلى حجم الحزن والألم الذي تعيشه العائلات التي كانت تأمل بعودتهم أحياء.
وجرت عملية تسليم الجثامين بشكل سري بعيدًا عن التغطية الإعلامية، بناءً على تفاهم بين مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي والوسطاء الهرب، وتم الاتفاق على أن تتم العملية دون مراسم أو احتفالات من جانب حماس.
و في المقابل، أعلنت مصادر فلسطينية، أن إسرائيل التزمت بالإفراج عن 642 أسيرًا ومعتقلًا فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى أسرى محكومين بالمؤبد ومدد طويلة، ومن بينهم أقدم أسير سياسي فلسطيني.
الجدير بالذكر، أن تنفيذ هذه الصفقة كاد أن يتعثر نهاية الأسبوع الماضي، عندما امتنعت إسرائيل عن إطلاق سراح 620 أسيرًا فلسطينيًا بسبب ما وصفته بتعمد حماس إقامة "مراسم إذلالية" خلال الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين السابقين.
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، أعلن الصليب الأحمر الدولي أنه تولى مسؤولية تسليم التوابيت الأربعة إلى الجيش الإسرائيلي عبر معبر كرم أبو سالم، بالتنسيق مع الوسطاء المصريين، على أن تتم عملية التعرف على الجثامين رسميًا داخل الأراضي الإسرائيلية، وبالتزامن، وصلت حافلات تقل مئات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم إلى قطاع غزة، حيث شوهدوا وهم يرتدون زيًا رماديًا فاتحًا، أثناء نزولهم أمام مستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس جنوب القطاع، وسط استقبال عائلي حافل وحضور إعلامي مكثف، تخلله إطلاق نار في الهواء ابتهاجًا.
تحرير الأسرى
كما أكدت مصادر فلسطينية، أن 97 أسيرًا فلسطينيًا ممن أفرج عنهم نُقلوا إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث سيتم نفيهم إلى هناك وفقًا لشروط الاتفاق، وهو ما أكده القيادي في حركة حماس محمود مرداوي.
وعبرت عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين تسلمت إسرائيل جثامينهم عن حزنها العميق، بعد أن أكدت الشرطة الإسرائيلية أن التوابيت نُقلت إلى المركز الوطني للطب الشرعي في تل أبيب للتعرف النهائي على هوية أصحابها.
وأظهرت الصور التي نشرتها الشرطة موكبًا من سيارات الإسعاف يسير في ظلمة الليل على طريق سريع، فيما وقف العشرات يلوحون بالأعلام الإسرائيلية في وداع صامت.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن -في وقت سابق-، أن شلومو مانتسور، البالغ من العمر 85 عامًا، والذي كان أكبر الرهائن سنًا، قُتل أثناء الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر، واحتُجزت جثته في قطاع غزة منذ ذلك الحين.
وُصف مانتسور من قبل سكان كيبوتس كيسوفيم بأنه "قلب المجتمع وجَد الجميع"، فيما نعته عائلته بعبارات مؤثرة، مشيرة إلى أنه "رجل ذو قلب من ذهب ويدين ذهبيتين وابتسامة لا تُنسى".
أما أوهاد يهلومي، وهو مواطن يحمل الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، فقد قُتل أثناء محاولته حماية زوجته وأطفاله الثلاثة من المسلحين الذين اقتحموا منزلهم.
وفي النهاية، تمكنت زوجته وابنتاه من الفرار، فيما أُسر ابنه إيتان، الذي أُفرج عنه في نوفمبر 2023 ضمن اتفاق تهدئة مؤقت.
عائلته أصدرت بيانًا قالت فيه: "قلوبنا محطمة وما نزال غير قادرين على استيعاب الفاجعة".
مصير هدنة غزة
وفي حال تأكيد هويات الجثامين، سيبقى لدى حماس والفصائل المتحالفة معها 59 رهينة إسرائيلية، وفقًا للتقديرات الرسمية الإسرائيلية، بينهم أكثر من نصفهم يُعتقد أنهم لقوا حتفهم.
من بين هؤلاء، جثة الجندي هدار جولدين، المحتجزة في غزة منذ عام 2014.
واتسمت المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة بتبادل الاتهامات بين الطرفين بارتكاب خروقات، في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا متزايدة من أعضاء حكومته اليمينيين المتطرفين الذين يطالبون باستئناف العمليات العسكرية في غزة.
وفي المقابل، حذرت حركة حماس، يوم الخميس، من أن "أي تراجع إسرائيلي عن الاتفاق سيؤدي إلى مزيد من المعاناة للرهائن وعائلاتهم".
وفي قطاع غزة، رصدت كاميرات شبكة "سي إن إن" مشاهد مؤثرة لوصول عدد من الأسرى المحررين إلى قسم العناية المركزة في مستشفى الأوروبي بخان يونس. بعضهم بدا في حالة صحية متدهورة، فيما شوهد أحد الأسرى وهو يُحتضن من ابنه، بينما يُعطى الأكسجين. آخرون بدوا منهكين وهزيلين، يواجهون صعوبة في المشي.
وفي الضفة الغربية، شهدت مدينة رام الله احتفالات واسعة مع وصول دفعات الأسرى المفرج عنهم، حيث تعالت الهتافات ودموع الفرح أثناء معانقة الأسرى لعائلاتهم.
من بين المشاهد المؤثرة كانت لحظة لقاء أب مفرج عنه بابنته التي ارتمت في أحضانه تقبّله وسط بكاء الحاضرين.