بعد مفاوضات مكثفة.. إسرائيل توافق على تبادل الجثث بالأسرى
بعد مفاوضات مكثفة.. إسرائيل توافق على تبادل الجثث بالأسرى

وسط مساعٍ دبلوماسية مكثفة لإعادة إحياء اتفاق تبادل الأسرى، أعلنت إسرائيل عن التوصل إلى تفاهم مع الوسطاء بشأن تسليم جثث أربعة رهائن محتجزين لدى حماس في قطاع غزة.
يأتي ذلك في وقت أكدت فيه الحركة التزامها بآلية جديدة تضمن تنفيذ الاتفاق وفق ما تم التوافق عليه، مع الإشارة إلى عدم تلقيها أي مقترح بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، هذا التطور يسلط الضوء على التعقيدات المستمرة في المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، التي تُدار بوساطة مصرية وقطرية وبدعم أميركي، ورغم التقدم الحاصل، تظل التساؤلات مطروحة حول مدى التزام إسرائيل وحماس ببنود الاتفاق، وسط تبادل للاتهامات بشأن تعطيل مراحل التنفيذ السابقة.
تفاصيل الاتفاق وآلياته
أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التوصل إلى تفاهم بشأن تسليم جثث أربعة رهائن إسرائيليين كانوا محتجزين في غزة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
من جانبها، أوضحت حركة حماس، أن تنفيذ العملية سيتم وفق آلية جديدة تضمن التزام الطرفين، مشيرة أن الإعلان عن موعد التبادل سيتم في الوقت المناسب.
وفقًا لمصادر فلسطينية تحدثت إلى "رويترز"، فإن الاتفاق يقضي بأن تسلم حماس وفصائل المقاومة، الخميس، جثث أربعة محتجزين إسرائيليين، مقابل إفراج إسرائيل عن 625 معتقلًا فلسطينيًا.
ويأتي هذا الاتفاق بعد مفاوضات مطوّلة بوساطة مصرية وقطرية، حيث تسعى الجهات الوسيطة إلى ضمان تنفيذ الاتفاق دون عراقيل كما حدث سابقًا.
تصاعد التوتر بعد تأجيل إسرائيل تنفيذ التبادل
كانت إسرائيل قد أرجأت تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الأسبوع الماضي، متهمة حماس بتنظيم ما وصفته بـ"استعراضات عسكرية مهينة" للمحتجزين الإسرائيليين خلال عمليات التسليم السابقة.
هذا التأخير أثار غضب الوسطاء ودفعهم إلى تكثيف الجهود لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
في هذا السياق، قال الناطق باسم ألوية الناصر صلاح الدين، أبو عطايا: إن الفصيل قرر تسليم جثة المحتجز الإسرائيلي أوهاد يهلومي يعلوني (50 عامًا) كجزء من الالتزام الفلسطيني بالاتفاق.
وأضاف: أن الفصائل الفلسطينية حريصة على الوفاء بتعهداتها، داعيًا الوسطاء إلى إلزام إسرائيل بسرعة التنفيذ وفق البروتوكولات الإنسانية المتفق عليها.
نقل الجثث إلى مصر عبر معبر كرم أبو سالم
من جانبها، أفادت مصادر في حركة حماس، بأن عملية التسليم ستتم دون أي مراسم رسمية، حيث سيتم نقل الجثث عبر معبر كرم أبو سالم إلى مصر، تحت إشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتأتي هذه الخطوة ضمن إجراءات تهدف إلى تفادي أي محاولات إسرائيلية لتعطيل الاتفاق أو فرض شروط إضافية على حماس.
في المقابل، ما تزال المخاوف قائمة بشأن التزام إسرائيل بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خاصة بعد تأجيلها تنفيذ المرحلة السابقة من الاتفاق.
ووفقًا لمصادر فلسطينية، فإن تأخر إسرائيل في التنفيذ كان نتيجة خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بين التيارات المتشددة والقيادة الأمنية، التي ترى ضرورة إتمام الاتفاق لتجنب مزيد من التصعيد في غزة.
حماس: لم نتلق أي مقترحات حول المرحلة الثانية
رغم التفاهم الحالي، أكدت حماس أنها لم تتلق حتى الآن أي مقترح بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مشددة على جاهزيتها للمضي قدمًا في التنفيذ بمجرد التوصل إلى تفاهمات واضحة.
ويشير ذلك إلى استمرار حالة الغموض حول مستقبل الاتفاق، في ظل المواقف المتباينة بين الأطراف الفاعلة، حيث جاء الاتفاق الأخير بعد جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة في القاهرة، وعقد وفد من حماس برئاسة خليل الحية اجتماعات مع المسؤولين المصريين لبحث آليات التنفيذ وضمان إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق.
في المقابل، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا داخلية من عائلات الأسرى والمحتجزين، التي تطالب بإعطاء الأولوية لإعادتهم، في ظل حالة انقسام سياسي حاد داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع ملف التبادل.
احتمالات تنفيذ الاتفاق
رغم الإعلان عن التفاهم، تبقى هناك تحديات قد تعيق التنفيذ الفعلي، أبرزها إمكانية حدوث خلافات جديدة حول آلية التنفيذ، أو سعي إسرائيل لفرض شروط إضافية في اللحظات الأخيرة.
ويرى مراقبون، أن نجاح المرحلة الأولى من الاتفاق قد يفتح الباب أمام محادثات أوسع تشمل ملفات أخرى، من بينها تثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما تسعى إليه الجهات الوسيطة، رغم التوترات المستمرة بين الطرفين.
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن الاتفاق بين حماس وإسرائيل حول تبادل الجثث مقابل الأسرى يأتي في سياق ضغوط إقليمية ودولية تهدف إلى احتواء التصعيد في غزة.
ويوضح المنجي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن هذا الاتفاق، رغم أهميته على المستوى الإنساني، لا يمثل بالضرورة تحولًا استراتيجيًا في الصراع، بل هو جزء من ترتيبات مؤقتة تهدف إلى تخفيف حدة التوتر دون معالجة القضايا الجوهرية.
ويشير فخري إلى أن إسرائيل تتعامل مع ملف التبادل وفق نهج تكتيكي، حيث تحاول تحقيق مكاسب داخلية، لا سيما في ظل الانتقادات التي تواجهها حكومة نتنياهو من عائلات الأسرى والرهائن.
في المقابل، تسعى حماس إلى استثمار هذه التفاهمات لتعزيز موقفها التفاوضي، خصوصًا فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشمل وقف إطلاق النار والإفراج عن مزيد من المعتقلين الفلسطينيين.
ويضيف المنجي، أن مستقبل هذا الاتفاق يعتمد على مدى التزام الطرفين بتنفيذه دون مماطلة، مشيرًا أن تجارب سابقة أثبتت أن أي إخلال بالتعهدات قد يعيد الأوضاع إلى مربع التوتر، ما يضع الوسطاء أمام تحديات جديدة للحفاظ على مسار التهدئة.