تونس مشلولة.. إضراب النقل يكشف عمق الأزمة الخانقة وإرث الإخوان يثقل كاهل الدولة

تونس مشلولة.. إضراب النقل يكشف عمق الأزمة الخانقة وإرث الإخوان يثقل كاهل الدولة

تونس مشلولة.. إضراب النقل يكشف عمق الأزمة الخانقة وإرث الإخوان يثقل كاهل الدولة
تونس

شهدت العاصمة التونسية وعدد من المدن شللاً شبه كامل في حركة النقل البري، الأربعاء، بسبب إضراب شامل دعت إليه جامعة النقل التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل. 

الإضراب الذي يستمر لثلاثة أيام، جاء احتجاجًا على تدهور الأوضاع المالية والمهنية لعمال القطاع، في ظل بنية تحتية مترهلة، وغياب إصلاحات حقيقية.

وبحسب ما أكدته الجامعة، فإن نسبة الاستجابة للإضراب بلغت 100% في يومه الأول، ما فاقم معاناة المواطنين، خاصة في المناطق الكبرى والريفية، ودفع بعشرات الآلاف إلى البحث عن وسائل نقل بديلة وسط أجواء من الغضب والاختناق اليومي.

مطالب مشروعة واتهامات متبادلة

تطالب النقابات بتحسين الرواتب، وضمان بيئة عمل لائقة، وتنفيذ إصلاحات عاجلة في قطاع النقل، الذي يعاني من تدهور مزمن في البنية التحتية، وانهيار أسطول الحافلات والمترو، ما ينعكس سلبًا على حياة المواطنين والخدمات الأساسية.

في المقابل، اعتبرت وزارة النقل أن المطالب المالية "مبالغ فيها"، مؤكدة أن تنفيذها مرهون بتحسّن إيرادات الشركات العمومية، مشيرة إلى خطوات اتخذتها الحكومة مؤخرًا، من بينها شراء حافلات جديدة، لكنها لا تكفي لسد فجوة الأعوام الماضية.

المشهد الميداني: العاصمة بلا حافلات.. والشارع يختنق

وأفادت مشاهد من العاصمة تونس، بأن محطات المترو كانت خالية تمامًا من العربات والركاب، بينما توقفت حركة الحافلات بشكل كامل. واضطر العديد من المواطنين إلى استخدام السيارات الخاصة وسيارات الأجرة، وحتى الدراجات النارية غير المرخصة.

جذور الأزمة: تركة الإخوان الثقيلة تقود إلى الانفجار

يرى مراقبون، أن هذا الإضراب ليس سوى نتاج مباشر لعقد من السياسات الفاشلة التي اتبعتها حكومات ما بعد 2011، وعلى رأسها حكومات حركة النهضة (الذراع السياسية للإخوان المسلمين)، التي أدارت البلاد بنهج شعبوي غير إصلاحي، وأهملت كليًا تحديث البنية التحتية أو إعادة هيكلة المؤسسات العامة، بما فيها النقل.

وكرّست تلك الفترة ثقافة التوظيف العشوائي دون إصلاح إداري أو مالي، ما أدى إلى تضخم الإنفاق مقابل تراجع الخدمات، وهو ما جعل شركات النقل العمومية اليوم عاجزة عن دفع أجور موظفيها أو صيانة معداتها.

ورغم محاولة الرئيس قيس سعيد كبح تدهور المؤسسات بعد إجراءات 25 يوليو 2021، إلا أن الوضع الموروث من الحكومات السابقة ما يزال يُقيد الحركة الإصلاحية. سعيد من جهته اتهم "المتآمرين والمندسين" بالسعي لتأجيج الشارع، في إشارة إلى تحركات مدفوعة من بقايا تيارات الإسلام السياسي.

في حين يرى خبراء، أن الإخوان يسعون لاستثمار هذا السخط الاجتماعي، بهدف خلق حالة من الانفلات تمهّد لعودتهم إلى المشهد السياسي من بوابة الفوضى، بعدما فقدوا شرعيتهم الانتخابية والشعبية.

ويعد إضراب عمال النقل ليس مجرد أزمة قطاعية، بل مؤشر على انفجار اجتماعي وشيك قد يطال قطاعات أخرى، في ظل تأخّر الإصلاحات، وتراكم أزمات مزمنة ورثتها البلاد من عشرية هيمنة الإخوان على القرار السياسي والاقتصادي.

ومن جانبه، قال الباحث السياسي والحقوقي حازم القصوري: ما نشهده اليوم من شلل في قطاع النقل هو نتيجة مباشرة لعشرية الخراب التي قادتها حركة النهضة تحت عباءة الإسلام السياسي، الإخوان لم يتركوا مؤسسات الدولة تنهار فقط، بل عملوا على تفكيكها من الداخل، من خلال تعيينات مشبوهة، وتسييس المرافق العمومية، وإغراقها بالفساد الإداري والمالي».

وأضاف القصوري: المطالب الاجتماعية اليوم مشروعة، لكنها تصطدم بواقع اقتصادي مفلس ورثناه من سنوات العبث السياسي، وما يحدث هو استثمار خبيث للأزمة من قبل قوى تسعى لإعادة إنتاج الفوضى، عبر تعطيل المرافق الحيوية ودفع الشارع إلى الاحتقان، في محاولة لإرباك مؤسسات الدولة وإضعاف المسار التصحيحي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد.

وختم بالقول: على الدولة أن تتحرك بسرعة لفتح حوار جدي مع النقابات، دون الخضوع للابتزاز السياسي، وعلى الشعب أن يُدرك أن ما نعيشه اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة مشروع متكامل لتفكيك الدولة الوطنية، كانت جماعة الإخوان اللاعب الأساسي فيه».