رسائل بلا صواريخ.. كيف استخدمت إسرائيل الضربة المؤجلة للضغط على لبنان؟

رسائل بلا صواريخ.. كيف استخدمت إسرائيل الضربة المؤجلة للضغط على لبنان؟

رسائل بلا صواريخ.. كيف استخدمت إسرائيل الضربة المؤجلة للضغط على لبنان؟
لبنان وإسرائيل

في جنوب لبنان، حيث تتداخل الخطوط الحمراء لا تُقاس التوترات بما يحدث فقط، بل بما يُؤجَّل حدوثه.. ضربة جوية إسرائيلية كانت على وشك التنفيذ، ثم توقفت في اللحظة الأخيرة، تحوّلت من عمل عسكري محتمل إلى رسالة سياسية وأمنية شديدة اللهجة. رسالة لم تُلقَ بالقنابل، بل نُقلت عبر قنوات دولية، واستهدفت هذه المرة العلاقة الحساسة بين الجيش اللبناني وحزب الله، الواقعة، التي بدت في ظاهرها إجراءً ميدانيًا محدودًا، كشفت في عمقها عن اشتباك إرادات أوسع: إسرائيل تضغط لتغيير قواعد التعامل في الجنوب، ولبنان يحاول تثبيت معادلة تمنع الانفجار، فيما يقف حزب الله في قلب المشهد، كعامل لا يمكن تجاوزه ولا فصله عن الواقع الأمني القائم.

 

 بين التحذير المؤجل والضربة المؤجلة، تتشكل مرحلة جديدة من الرسائل غير المباشرة، تُنذر بأن هامش المناورة يضيق، وأن الصبر الإسرائيلي تحديدًا لم يعد بلا سقف.

 

تحذير إسرائيلي

كشفت معطيات متقاطعة، أن إسرائيل وجّهت إلى لبنان، عبر وسطاء دوليين، رسالة تحذير صريحة مفادها أن أي شكل من أشكال التنسيق أو التلاقي الميداني بين الجيش اللبناني وحزب الله يُعد تجاوزًا غير مقبول للخطوط التي تريد تل أبيب تكريسها في المرحلة الراهنة.

 

جاءت هذه الرسالة على خلفية حادثة ميدانية دقيقة، تمثلت في تعليق ضربة جوية إسرائيلية كانت تستهدف موقعًا يُشتبه باستخدامه من قبل حزب الله في إحدى بلدات الجنوب.

 

بحسب المعلومات، كانت الاستخبارات الإسرائيلية قد رصدت مبنى يُعتقد أنه يحتوي على مخزن أسلحة تابع للحزب في بلدة ينّوح جنوب لبنان، وبدل تنفيذ ضربة فورية، اختارت إسرائيل مسارًا غير مألوف نسبيًا، فأبلغت الجيش اللبناني بمكان الموقع، مطالبةً إياه بالتعامل مع ما وصفته بـ"الخرق القائم" للترتيبات الأمنية.

 

استجابة ولكن..

الجيش اللبناني استجاب في المرحلة الأولى، وتوجه إلى المنطقة، إلا أن محاولته تفتيش المبنى واجهت عراقيل ميدانية، أبرزها اعتراض سكان محليين حالوا دون إتمام المهمة، ومع انسحاب القوة العسكرية، انتقلت إسرائيل إلى المرحلة التالية من سيناريو الضغط، فأصدر جيشها تحذيرًا بالإخلاء، في إشارة واضحة إلى أن القصف بات وشيكًا.

 

غير أن المشهد لم يكتمل، ففي اللحظات الأخيرة، جرى تعليق الضربة، بعد أن عاد الجيش اللبناني إلى الموقع مجددًا، مستفيدًا من حالة الهلع التي أحدثها التهديد الإسرائيلي، والتي دفعت السكان إلى إخلاء المبنى خشية التعرض لغارة، هذه العودة سمحت للجيش بالدخول وتفتيش المكان، وفق ما أفاد به مصدر أمني لبناني، مؤكّدًا أن عنصر "التهديد الخارجي" كان العامل الحاسم في تغيير موقف السكان.

 

شكوك إسرائيلية بتعاون بين حزب الله والجيش اللبناني

رغم هذا التطور، لم تُخفِ إسرائيل امتعاضها، فقد نقلت، عبر القنوات الأميركية تحديدًا، رسالة سياسية وأمنية مفادها أن ما جرى لا يُطمئنها، بل يعزز شكوكها بوجود نمط من التنسيق غير المعلن بين الجيش اللبناني وحزب الله.

 

مصدر أمني إسرائيلي عبّر بوضوح عن هذا الموقف، معتبرًا أن تل أبيب "منحت الجيش اللبناني فرصة لمعالجة الخرق"، لكنها لن تقبل بتكرار هذا النموذج.

 

الرسالة الإسرائيلية لم تقتصر على توصيف الحدث، بل حملت تهديدًا مبطنًا بالتصعيد، فبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن استمرار ما تعتبره إخفاقًا لبنانيًا في كبح نشاط حزب الله قد يدفعها إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية داخل الأراضي اللبنانية، وعدم الاكتفاء بضربات موضعية أو تحذيرات استباقية.

 

في المقابل، يجد لبنان الرسمي نفسه أمام معادلة شديدة التعقيد، فالجيش اللبناني، الذي يعمل في بيئة اجتماعية وسياسية حساسة، يواجه تحديًا مزدوجًا، الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ومنع تحوّل الجنوب إلى ساحة مواجهة مفتوحة، وفي الوقت نفسه التعامل مع ضغوط خارجية متزايدة تطال دوره وحدود تحركه، أي خطوة ناقصة قد تُفسَّر إسرائيليًا كتواطؤ، وأي خطوة مفرطة قد تُفجّر التوازن الداخلي الهش.

 

إدارة المخاطر من زاوية واحدة

 

من جانبه، يرى المحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم، أن حزب الله يدفع لبنان تدريجيًا نحو حافة مواجهة لا يملك مقوماتها ولا ترف خوضها، معتبرًا أن أخطر ما في سلوك الحزب اليوم هو تعامله مع الجنوب كأنه ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إقليمية، لا كجزء من دولة تعيش واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية والسياسية.

 

ويقول عاكوم في حديثه لـ"العرب مباشر": إن الحزب يتصرف بمنطق إدارة المخاطر من زاويته الخاصة، لا من زاوية المصلحة الوطنية، مشيرًا أن أي احتكاك عسكري ولو كان محدودًا قد ينفلت سريعًا إلى حرب واسعة لا قدرة للبنان على تحمل كلفتها البشرية ولا المادية. 

 

ويضيف: أن إسرائيل، بخلاف الخطاب السائد، لا تحتاج إلى ذرائع كبيرة للتصعيد، لكن حزب الله يقدّم لها بيئة مثالية لتبرير أي ضربة، عبر إبقاء بنيته العسكرية متداخلة مع القرى والمناطق المأهولة.

ويحذّر عاكوم من أن استمرار هذا النهج يضع الجيش اللبناني في موقف بالغ الحرج، بين ضغط خارجي يتهمه بالعجز أو التواطؤ، وضغط داخلي يخشى من انفجار اجتماعي وأمني، وبرأيه، فإن أخطر سيناريو هو أن يجد لبنان نفسه متورطًا في حرب "غير محسوبة"، اتُّخذ قرارها خارج مؤسسات الدولة، فيما يدفع اللبنانيون وحدهم الثمن.