الأردن يلاحق ظل الجماعة.. بدء محاسبة المتسترين على أملاك الإخوان المنحلة
الأردن يلاحق ظل الجماعة.. بدء محاسبة المتسترين على أملاك الإخوان المنحلة

في خطوة تعكس تصميم الدولة الأردنية على تفكيك آخر ما تبقى من شبكة النفوذ المالي والتنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، بدأت السلطات القضائية استدعاء أفراد تورطوا في إخفاء أصول وأموال تعود للجماعة التي باتت مصنفة "جمعية غير مشروعة"، هذا التحرك ليس معزولًا، بل يأتي ضمن استراتيجية حكومية واضحة لتجفيف منابع التمويل التي كانت تعتمد عليها الجماعة في إدارة نشاطاتها، سواء السياسية أو الخيرية.
وفيما أقرّ بعض المتورطين بوقائع التستر وأعادوا الأملاك إلى صندوق دعم الجمعيات، ما يزال آخرون يواجهون خطر الملاحقة بتهم ثقيلة تصل إلى غسل الأموال وإساءة الائتمان.
المشهد الراهن يعكس لحظة فارقة في مسار العلاقة بين الدولة والجماعة، ويؤذن بإغلاق ما تبقى من ملفات قانونية مرتبطة بها، وسط تساؤلات عن طبيعة التحولات في المشهد الإسلامي الأردني، ومستقبل الفراغ الذي خلّفته الجماعة التي طالما شكّلت أحد أعمدة العمل السياسي والدعوي في البلاد.
*تفكيك أذرع الجماعة*
ضمن سياسة متدرجة تهدف إلى تفكيك الأذرع المالية والتنظيمية المتبقية لجماعة الإخوان المسلمين المنحلة، أطلقت النيابة العامة الأردنية هذا الأسبوع سلسلة استدعاءات تستهدف أشخاصًا وكيانات يشتبه بتسترهم على أملاك وأموال تعود للجماعة التي حُظرت رسميًا منذ أكثر من عام.
وقالت مصادر قضائية مطلعة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): إن الاستدعاءات تأتي بعد انتهاء المهلة التي منحتها لجنة حل الجماعة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، والتي استمرت شهرًا كاملًا وانتهت في 14 يونيو الماضي، لتسوية أوضاع الأملاك المرتبطة بها.
وبحسب المصادر، فإن الملفات غير المسوّاة أحيلت مباشرة إلى القضاء، وسط تشديد قانوني على ضرورة الإقرار الطوعي لتفادي التبعات الجزائية.
وبحسب تلك المعطيات، أقرّ عدد من الأفراد بأنهم يحتفظون بأموال أو ممتلكات عينية نيابة عن الجماعة، دون أن تكون ملكيتهم أصلية لها، وتم تحويل تلك الأصول – بما في ذلك حسابات مصرفية وعقارات إلى صندوق دعم الجمعيات، مستندين إلى المادة 25 من قانون الجمعيات الساري في البلاد.
ولم تقتصر الاستدعاءات على الأفراد، بل شملت مفوّضين بالتوقيع على حسابات بنكية في محافظات مختلفة، حيث تبين من خلال التحقيقات الأولية أن هذه الحسابات كانت تُدار لصالح الجماعة، رغم تسجيلها باسم أفراد أو جمعيات شكلية. وأقر بعض المفوّضين بأنهم لا يملكون تلك الأموال؛ مما سهل عملية تحويلها إلى الجهات القانونية المختصة.
*متسترين على الجماعة*
في المقابل، أصرّ بعض الشركاء في حصص أراضٍ وعقارات على ادعاء ملكيتهم الخاصة، رافضين الاعتراف بعلاقتهم بالجماعة أو بأي عمليات تستر.
وهو ما يضعهم قانونيًا أمام اتهامات تتعلق بغسل الأموال، وإساءة الأمانة، وربما تزوير المستندات، في حال ثبوت تعارض إقراراتهم مع النتائج المالية والفنية التي ستكشفها التحقيقات المتواصلة.
وتنص القوانين الأردنية ذات الصلة على أن الشخص الذي يحتفظ بأموال أو أملاك ليست له يمكنه أن يتفادى التبعات القانونية في حال الإقرار الطوعي والتنازل، أما الإصرار على الإنكار فيُقابل بالتحقيق والتقاضي، وقد يؤدي إلى ملاحقة قضائية شاملة تشمل خبراء ماليين ومراجعة السجلات البنكية والعقارية بدقة.
تأتي هذه الخطوة في ظل مسار متسارع لتصفية الإرث المؤسسي للجماعة، إذ أعلنت جمعية جماعة الإخوان المسلمين – المرخصة سابقًا وفق قانون الجمعيات السياسية – حلّ نفسها طوعًا في 23 يوليو الجاري، معلنة انتهاء دورها الرسمي "تماشيًا مع التوجهات الوطنية والتطورات السياسية"، في إشارة ضمنية إلى استحالة استمرارها في العمل ضمن الإطار القانوني الراهن.
*تجفيف المنابع وكشف الشبكات*
من جانبه يقول د. مصطفى حمزة المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية: إن ما يجري في الأردن حاليًا يمثل مرحلة جديدة في علاقة الدولة مع جماعة الإخوان قوامها الانتقال من المواجهة السياسية إلى تفكيك البنية المالية والتنظيمية بشكل ممنهج.
ويؤكد حمزة -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن هذا التحرك لا يمكن فصله عن تحولات إقليمية أوسع، حيث فقدت الجماعة الكثير من حلفائها ومظلاتها في المنطقة، ما جعلها أكثر عرضة للإجراءات القانونية.
ويضيف أن التركيز على المتسترين على أملاك الجماعة لا يتعلق فقط بتجفيف المنابع التمويلية، بل أيضًا بكشف الشبكات التي كانت تدير هذه الأصول عبر واجهات قانونية وشخصيات مستقلة ظاهريًا، لكنها تدين بالولاء للتنظيم.
هذه الخطوة، بحسب أبو زيد، تؤسس لسابقة قانونية مهمة في التعامل مع الجماعات المحظورة، إذ يتم التعامل مع الجماعة ككيان مالي وتنظيمي يُسأل من يتعامل معه حتى لو لم يكن عضوًا مباشرًا فيه.
ويحذر الخبير من أن الجماعة قد تحاول إعادة التموضع عبر كيانات بديلة أو واجهات مجتمعية، داعيًا إلى يقظة قانونية ومدنية تواكب التحولات، مع فتح المجال لبدائل إسلامية معتدلة تعمل ضمن إطار القانون والدستور.
*القضاء على نفوذ الجماعة*
وكان وزير الداخلية مازن الفراية قد أعلن في وقت سابق حظر جميع نشاطات الجماعة، والتعامل معها ككيان غير شرعي، محذرًا من أن الانتساب لها أو الترويج لأفكارها سيُعد انتهاكًا للقانون.
وتُعتبر جماعة الإخوان في الأردن من أقدم التنظيمات السياسية- الدعوية في البلاد، وقد شكّلت لعقود رافعة لمعارضة سياسية منظمة، قبل أن تتراجع شعبيتها ونفوذها نتيجة الانقسامات الداخلية، والانفصال التدريجي بين الجناح الدعوي والتنظيم السياسي، فضلًا عن تغيرات إقليمية أثّرت على علاقتها بالحكومات المتعاقبة.
وتشير مصادر قريبة من الملف، إلى أن الحكومة عازمة على إغلاق كافة القنوات التي قد تُستخدم لإعادة تدوير أموال الجماعة أو تمويل أي امتدادات غير رسمية لها، خصوصًا بعد اتساع النشاط الخيري للجماعة لعقود، ما منحها نفوذًا اجتماعيًا ومجتمعيًا واسعًا.