مدينة الأنفاق في بيروت.. مؤشرات على اقتراب مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله 

مدينة الأنفاق في بيروت.. مؤشرات على اقتراب مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله 

مدينة الأنفاق في بيروت.. مؤشرات على اقتراب مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله 
قصف لبنان

تشير تقديرات في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أن حزب الله يعمل على نقل الجزء الأكبر من أصوله العسكرية واللوجستية إلى شبكة من الأنفاق والمخابئ تحت المباني السكنية في حي الضاحية الجنوبية لبيروت، في مسعى لتفادي الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة. 

ورغم أن البنية التحتية تحت الأرض في الضاحية ليست متشعبة أو عميقة بمستوى شبكة الأنفاق في قطاع غزة، بسبب طبيعة التربة التي تشكل عائقًا هندسيًا، إلا أن المؤشرات الاستخبارية تؤكد أن الحزب يراهن على هذا الخيار لإخفاء قدراته الحساسة، وفقًا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية.

ووفق مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة لافتة تتمثل في رفض مواطنين لبنانيين، داخل العاصمة بيروت، تأجير شقق سكنية لحزب الله خارج نطاق الضاحية، خوفًا من تعرض هذه المواقع للقصف الإسرائيلي. 

وتشير التقديرات إلى أن الحزب يواجه صعوبات متزايدة في تأمين مساكن بديلة لعناصره وعائلاتهم، فضلاً عن العجز عن دفع إيجارات لعشرات آلاف اللبنانيين الذين ما زالوا نازحين داخل بلادهم ولم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم المدمرة في جنوب لبنان عقب العمليات البرية الإسرائيلية.

مؤشرات على تصعيد محتمل وتقديرات التوقيت

وترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن التمهيد لعملية عسكرية واسعة في الجبهة الشمالية بدأ قبل نحو شهر، مع اغتيال رئيس أركان حزب الله هيثم علي طبطبائي. 

إلا أن الحزب اختار في تلك المرحلة انتهاج سياسة ضبط النفس وعدم الرد، خلافاً لما كان سائدًا في جولات سابقة، ولم يطلق حتى قذيفة هاون واحدة ردًا على مقتل أحد أبرز قادته. 

غير أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن أي جولة تصعيد مقبلة ستكون مختلفة، إذ يتوقع الجيش الإسرائيلي أن ينفذ حزب الله خطة نارية منظمة تشمل إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة، بما في ذلك مسيرات مفخخة، على مدى عدة أيام.

وعلى عكس المواجهات السابقة، سواء مع غزة أو مع حزب الله نفسه، تتوقع مصادر أمنية أن يكون هناك هذه المرة مسار معدّ سلفاً لإعادة تثبيت وقف إطلاق النار، عبر غرفة تنسيق مشتركة فعالة تضم ضباطًا أمريكيين ولبنانيين، وتعمل بين بيروت ومقر قيادة المنطقة الشمالية في مدينة صفد.

 ومع ذلك، تؤكد التقديرات أن إسرائيل لن تقدم على عملية عسكرية واسعة من دون موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما يجعل تنفيذ أي تحرك كبير قبل زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض في نهاية الشهر أمراً غير مرجح.

تراجع النفوذ السياسي لحزب الله وضغوط داخلية

وتقدّر الاستخبارات الإسرائيلية، أن حزب الله يفضل في الوقت الراهن الاستمرار في امتصاص الضربات الإسرائيلية شبه اليومية، مع التركيز على إدارة صراعاته الداخلية في لبنان، والتي يعتبرها أكثر قابلية للسيطرة. 

وتشير التقديرات، أن هيمنة الحزب كقوة سياسية واجتماعية تراجعت خلال العام الماضي، في وقت يواجه فيه صعوبات حقيقية في تقديم الدعم المالي لعائلات القتلى والجرحى، ما دفع بعض مؤيديه من الطائفة الشيعية إلى التحول نحو حركة أمل، التي ينظر إليها كبديل أكثر استقرارًا من الناحية الاجتماعية.

ورغم هذا التراجع النسبي في النفوذ السياسي، تؤكد المصادر الإسرائيلية، أن حزب الله ما يزال أقوى عسكريًا من الجيش اللبناني، معتبرة أن أي تغيير في هذا الميزان سيكون مؤشرًا على تحول استراتيجي لصالح إسرائيل. 

وحتى حدوث ذلك، يتوقع أن يواصل الحزب إعادة بناء قدراته، لا سيما عبر الإنتاج المحلي وتحويل الصواريخ التقليدية إلى صواريخ دقيقة، ما يدفع إسرائيل، وفق هذه التقديرات، إلى مواصلة العمل العسكري ضده مهما كانت الكلفة.

الانتخابات اللبنانية وحسابات القيادة الجديدة

وتبرز الانتخابات اللبنانية المقررة في مايو المقبل كعامل ضغط إضافي على قيادة حزب الله. وتعتقد التقديرات الإسرائيلية أن الأمين العام الحالي للحزب، نعيم قاسم، يولي أهمية أكبر للحفاظ على التماسك الداخلي واستعادة شرعية الحزب داخل الدولة اللبنانية، مقارنة بخوض مواجهة دموية جديدة مع إسرائيل. 

وتشير المصادر إلى أن قاسم يفتقر إلى الكاريزما التي تمتع بها حسن نصر الله، ما يقلص قدرته على حشد مئات آلاف المؤيدين، ويعزز في المقابل انتقال بعض القواعد الشعبية لدعم حركة أمل، في ظل كون هاتين الحركتين لا تمثلان جناحين عسكريين فحسب، بل أيضًا منظومتين اجتماعيتين في مجالي الرفاه والتعليم.

كواليس اغتيال حسن نصر الله

وفي ما يتعلق بعملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، تكشف مصادر في شعبة الاستخبارات العسكرية أن ضابطين كبيرين في لواء الأبحاث كانا من أبرز الدافعين نحو تنفيذ العملية في سبتمبر من العام الماضي.

ووفق هذه المصادر، استغرق تعقب موقع نصر الله سنوات من العمل الاستخباري الدقيق، نظرًا لامتلاكه عشرات المخابئ والأنفاق المتصلة ببعضها تحت أحياء سكنية مكتظة في بيروت.

وتشير التفاصيل إلى أن مجندة شابة في الاستخبارات، كانت مكلفة بمتابعة أحد هذه المخابئ، لعبت دورًا محوريًا في تحديد الموقع النهائي الذي كان يتواجد فيه نصر الله ليلة الاغتيال.

وعلى مدى أسابيع، قامت بتحليل معمق للمنشأة الواقعة على عمق يتراوح بين 20 و30 مترًا تحت الأرض، وحددت بدقة نقاط الاستهداف التي وجهت إليها 83 قنبلة لضمان تحقيق الهدف ومنع أي محاولة هروب عبر شبكة الأنفاق.

ووفق رواية الضباط، لم تقتصر الضربات على الغرف التي كان يعتقد أن نصر الله يتواجد فيها، بل شملت أيضًا تقاطعات الأنفاق المجاورة، في خطوة هدفت إلى إحكام الطوق ومنع الفرار.

وأكد أحد قادة العملية، أنه كان مستعدًا لتحمل المسؤولية الكاملة في حال فشلها، في ظل الثقة العالية بالمعلومات الاستخبارية التي تم جمعها.

حصيلة العملية والتقديرات المستقبلية

وبحسب الجيش الإسرائيلي، أسفرت عملية اغتيال نصر الله، التي حملت اسم نظام جديد، عن مقتل 40 مدنيًا غير مشاركين في القتال و30 عنصرًا من حزب الله، بينهم قادة كبار، ويعتبر الجيش هذه الخسائر ثمنًا جانبيًا مقبولاً مقارنة بأهمية الهدف.

ومع تراكم الخبرة والثقة في التعامل مع حزب الله، تستعد أجهزة الاستخبارات والقيادة الشمالية وسلاح الجو الإسرائيلي لاحتمال مواجهة جديدة مع الحزب، الذي تصفه المصادر بأنه تعرض للردع لكنه لم يُهزم.

وترى التقديرات، أن الحزب، رغم فقدانه عددًا كبيرًا من قادته المتمرسين، ما يزال يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة والصواريخ وعشرات آلاف العناصر المسلحة.

وتشير التحليلات إلى أن التحدي المقبل لن يقتصر على تدمير مصانع السلاح، بل سيمتد إلى ملاحقة قادة الصف الثاني الذين يديرون العمليات الميدانية.

وفي هذا السياق، تتوقع الاستخبارات أن تزيد إيران من دعمها المالي لحزب الله، ليتجاوز 700 مليون دولار سنويًا، باعتباره أحد أهم أذرعها الإقليمية، ما يعني أن المواجهة المقبلة، إن وقعت، ستكون أكثر تعقيدًا وطولاً.