لبنان على حافة الانفجار مع اقتراب نهاية مهلة نزع سلاح حزب الله
لبنان على حافة الانفجار مع اقتراب نهاية مهلة نزع سلاح حزب الله
يجد لبنان نفسه في وضع بالغ التعقيد مع اقتراب الموعد النهائي المحدد لنزع سلاح حزب الله، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين إسرائيل ولبنان في نوفمبر 2024، والذي ينص على أن يتم تفكيك ترسانة الحزب بحلول 31 ديسمبر المقبل.
وأكدت شبكة "دويتش فيله" الألمانية، أنه مع اقتراب هذا التاريخ، تتصاعد التوترات على الحدود الجنوبية، وتتزايد المخاوف من انزلاق البلاد إلى مواجهة داخلية أو عودة التصعيد العسكري الإسرائيلي على نطاق أوسع.
تحذيرات إسرائيلية وتدخل لبناني غير مسبوق
خلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدرت القوات الإسرائيلية تحذيرًا جديدًا لسكان جنوب لبنان، في مشهد بات مألوفًا منذ أشهر.
أعلن الجيش الإسرائيلي عزمه تنفيذ ضربة وشيكة ضد ما وصفه ببنية تحتية تابعة لحزب الله في بلدة يانوح، مطالبًا المدنيين القاطنين قرب هذه المواقع بإخلائها فورًا حفاظًا على سلامتهم.
غير أن تطورًا غير اعتيادي طرأ على الموقف، إذ طلب الجيش اللبناني من الجانب الإسرائيلي السماح له بتفتيش الموقع بنفسه بحثاً عن أسلحة، بدلاً من تنفيذ الغارة الجوية.
وفي خطوة وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها نادرة وغير مسبوقة، وافقت إسرائيل على الطلب، وتم إلغاء الضربة الجوية. هذا الحدث اعتُبر نقطة إيجابية نادرة وسط مسار متدهور، في وقت بات فيه وقف إطلاق النار مهددًا بالانهيار.
خلفية التصعيد وضرورة وقف إطلاق النار
بدأت المواجهات بين حزب الله وإسرائيل بعد وقت قصير من هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، حيث تبادل الطرفان القصف عبر الحدود.
ويُعد حزب الله جزءًا من شبكة جماعات مسلحة مدعومة من إيران تنشط في عدة دول بالمنطقة، من بينها اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وتتبنى موقفًا معاديًا لإسرائيل والولايات المتحدة.
وفي الداخل اللبناني، لا يقتصر دور حزب الله على كونه تنظيمًا مسلحًا، بل يمثل قوة سياسية واجتماعية بارزة، ويمتلك شبكة خدمات اجتماعية وقوة عسكرية تضاهي مؤسسات الدولة، ما جعله يوصف في كثير من الأحيان بأنه دولة داخل الدولة.
بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024، نفذت إسرائيل هجمات برية وجوية واسعة ضد مواقع في لبنان وضد حزب الله. وفي نوفمبر، جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة فرنسية وأمريكية، تضمن شرطًا أساسيًا يقضي بنزع سلاح حزب الله بحلول نهاية العام، مقابل وقف الهجمات الإسرائيلية وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية.
ضغوط متزايدة على الدولة اللبنانية
مع اقتراب الموعد النهائي، تتعرض السلطات اللبنانية لضغوط كبيرة لإثبات تقدمها في ملف نزع السلاح. الجيش اللبناني يؤكد أنه حقق إنجازات ملموسة، مشيرًا إلى تفجير عدد كبير من مخازن الأسلحة إلى حد نفاد المواد المتفجرة المخصصة لذلك.
غير أن مراقبين يشككون في إمكانية التحقق من هذه الادعاءات، كما يستمر الجدل حول نطاق عملية نزع السلاح، وهل تقتصر على الجنوب القريب من الحدود أم تشمل كامل الأراضي اللبنانية.
في المقابل، ورغم سريان وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل تنفيذ غارات جوية شبه يومية منذ نوفمبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 120 مدنيًا لبنانيًا، ولم تستكمل انسحاب قواتها بالكامل.
وتقول إسرائيل: إن رسالة جانبية مرفقة باتفاق وقف إطلاق النار تمنحها حق الرد على أي خروقات مزعومة، شرط إبلاغ الولايات المتحدة مسبقاً.
مأزق سياسي وأمني معقد
يرى محللون، أن الوضع دخل مرحلة جمود يصعب كسرها. فكل طرف يتهم الآخر بعدم الالتزام ببنود الاتفاق، ويبرر استمراره في خرقه بالخطوات المقابلة، وتشترط إسرائيل نزع سلاح حزب الله بالكامل قبل سحب قواتها، بينما يربط حزب الله تسليم سلاحه بانسحاب إسرائيلي كامل ووقف الغارات الجوية، رغم التفوق العسكري الواضح لإسرائيل.
في هذا المشهد، تقف الدولة اللبنانية في المنتصف، وتتعرض لضغوط متزايدة من إسرائيل والولايات المتحدة. ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة منذ نحو سبع سنوات، جعلت الجيش اللبناني يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.
وقد لوحت واشنطن بوقف تمويل الجيش إذا لم يُسرّع خطوات نزع سلاح حزب الله، وهو ما يثير مخاوف من أن يؤدي قطع الدعم إلى شلل المؤسسة العسكرية، وبالتالي تقويض قدرتها على تنفيذ المهمة المطلوبة أصلاً.
من جهتها، صعّدت إسرائيل من ضغوطها السياسية والعسكرية، إذ حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن تباطؤ عملية نزع السلاح سيدفع بلاده إلى توسيع عملياتها العسكرية مجدداً داخل لبنان.
الغارات تعرقل مسار نزع السلاح
يشير بعض الخبراء إلى أن الغارات الإسرائيلية نفسها قد تكون عاملاً معرقلاً لعملية نزع السلاح، فبحسب تقديرات بحثية، فإن استمرار القصف والوجود العسكري الإسرائيلي يخفف الضغط الداخلي على حزب الله لتسليم سلاحه، بينما قد يؤدي انسحاب إسرائيلي فعلي وتراجع العمليات العسكرية إلى زيادة الضغوط السياسية والشعبية على الحزب.
في المقابل، يؤكد حزب الله أن الحكومة اللبنانية لا تقوم بما يكفي لردع إسرائيل، ويبرر احتفاظه بسلاحه باعتباره ضرورة للدفاع عن البلاد في ظل عجز الدولة أو امتناعها عن ذلك.
مخاوف من صدام داخلي
يحذر محللون من أن أي محاولة لاستخدام الجيش اللبناني ضد حزب الله ستؤدي على الأرجح إلى انهيار المؤسسة العسكرية وإشعال فتيل حرب أهلية، نظراً للتوازنات الطائفية والسياسية الدقيقة في البلاد. وحتى لو امتلك الجيش القدرة العسكرية على المواجهة، فإن الحسابات السياسية تجعل هذا الخيار شبه مستحيل.
ويعبر أنصار حزب الله، ومعظمهم من الطائفة الشيعية في جنوب لبنان، عن رفضهم لقرار نزع السلاح، منظمين احتجاجات في بيروت ومناطق أخرى، ما يعكس عمق الانقسام الداخلي حول هذا الملف.
وضع غير قابل للاستمرار
الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف بيروت أواخر نوفمبر، وأسفر عن مقتل أحد قادة حزب الله، إلى جانب سقوط ضحايا مدنيين، اعتُبر دليلاً على أن الوضع القائم منذ وقف إطلاق النار بدأ يتفكك. ويطرح ذلك تساؤلات حول إمكانية كسر حالة الجمود قبل حلول الموعد النهائي.
وتدعو بعض المقترحات إلى اعتماد خطوات تدريجية مدعومة بمؤشرات ملموسة لبناء الثقة، مثل توسيع نطاق نزع السلاح في مناطق إضافية خارج الجنوب.
غير أن انتقادات لبنانية وُجهت أيضًا إلى إيران بسبب دورها في تعقيد المشهد، رغم أن تغيير موقفها الداعم لحزب الله لا يبدو مرجحًا في المدى القريب.
تصعيد متوقع مع اقتراب المهلة
يتوقع محللون، أن تتصاعد التوترات مع اقتراب نهاية العام، مرجحين استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية طالما رأت تل أبيب فيها مكاسب أمنية.
في المقابل، يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الطرف القادر على التدخل في اللحظة الحاسمة، عبر إعادة توجيه النقاش نحو ما حققه الجيش اللبناني فعليًا، والضغط على إسرائيل لتجنب ردود الفعل المفرطة والعمل بشكل بنّاء، بدلاً من مواصلة تقويض ثقة اللبنانيين بمؤسسات دولتهم.
في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى لبنان عالقًا بين مطالب متناقضة وضغوط خارجية وداخلية متزايدة، مع اقتراب موعد قد يحدد ملامح المرحلة المقبلة، إما باتجاه احتواء الأزمة أو الانزلاق إلى مزيد من عدم الاستقرار.

العرب مباشر
الكلمات