الانفجار الجمركي.. بكين ترد على واشنطن برسوم 84%.. ما التداعيات؟
الانفجار الجمركي.. بكين ترد على واشنطن برسوم 84%.. ما التداعيات؟

بينما يتجه العالم نحو تعافٍ اقتصادي هش، تفجّرت من جديد واحدة من أعنف جولات الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، حاملةً معها رسائل سياسية واقتصادية تتجاوز لغة الأرقام، ففي خطوة وُصفت بأنها الأعنف منذ بدء الحرب التجارية، أعلنت الصين فرض رسوم جمركية تصل إلى 84% على واردات أميركية مختارة، كرد مباشر على رفع الولايات المتحدة لتعريفاتها الجمركية على السلع الصينية إلى أكثر من 100%، التصعيد الجديد لا يعكس فقط توترًا في السياسات التجارية، بل يكشف عن نزاع استراتيجي أعمق يتداخل فيه الاقتصاد بالتنافس الجيوسياسي على قيادة العالم، وبينما يتبادل الطرفان فرض القيود والرسوم، تُترك الشركات والمستهلكون في كلا البلدين أمام فاتورة متزايدة، وسوق عالمية مهددة بالمزيد من التقلّب وعدم اليقين. هذه المواجهة المتصاعدة تؤسس لتحول كبير في معادلات التجارة العالمية، وتجعل من كل قرار اقتصادي سلاحًا في حرب لا تنتهي.
حربٌ بلا قذائف
في تصعيدٍ دراماتيكي جديد للحرب التجارية المشتعلة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين، أعلنت بكين رفع الرسوم الجمركية على واردات أميركية مختارة لتصل إلى 84%، بعد أن كانت تبلغ 34% فقط.
القرار، الذي سيدخل حيّز التنفيذ اعتبارًا من 10 أبريل، جاء في أعقاب تنفيذ الولايات المتحدة لحزمة جديدة من الرسوم الجمركية على السلع الصينية، رفعت التعريفات إلى أكثر من 100%، في واحدة من أشد جولات التصعيد الاقتصادي بين البلدين منذ 2018.
وبحسب بيان صادر عن لجنة الرسوم الجمركية بمجلس الدولة الصيني، فإن الخطوة تمثل "ردًا حازمًا" على ما وصفته بالإجراءات الأميركية "العدوانية" التي تهدد استقرار النظام التجاري العالمي.
وفي تحرك موازٍ، أعلنت وزارة التجارة الصينية إدراج 6 شركات أميركية في قائمتها السوداء للشركات غير الموثوقة، وهي خطوة تعني فرض قيود محتملة على تعامل هذه الشركات مع السوق الصينية.
مواجهة اقتصادية
هذا التصعيد يفتح فصلاً جديدًا من المواجهة الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، في ظل قيادة أميركية تتبنى استراتيجية "الضغط الأقصى" على بكين، عبر سلاح الرسوم الجمركية، في محاولة لإجبار الصين على إعادة هيكلة علاقاتها التجارية والحد من فائضها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن، مطلع الشهر الجاري، عن زيادة جديدة في الرسوم المفروضة على الواردات الصينية، لتصل إلى 104%.
وبرر هذه الخطوة بـ"ضرورة حماية الصناعات الأميركية من الممارسات التجارية غير العادلة"، متهمًا الصين بـ"استغلال" انفتاح السوق الأميركية لسنوات طويلة دون فتح أسواقها بالقدر ذاته أمام الشركات الأميركية.
وردّت الصين، في بيان رسمي، بأن الفائض التجاري لصالحها ليس نتيجة مؤامرة أو ممارسات غير عادلة، بل يعكس واقع الاقتصاد العالمي وتقسيم العمل الدولي، مشيرة أن الولايات المتحدة "تفتقر إلى القدرة التنافسية في مجالات معينة"، وهو ما يفسّر العجز المستمر في الميزان التجاري الأميركي.
الرد الصيني جاء مصحوبًا بتحذير صريح مفاده: أن بكين "تمتلك العزيمة والوسائل" لمواصلة الدفاع عن مصالحها الاقتصادية، معتبرة أن الرسوم الجمركية أصبحت أداة تمارس بها واشنطن ضغوطًا سياسية تحت غطاء اقتصادي.
وحذرت "الورقة البيضاء" الصادرة عن الحكومة الصينية من أن هذه السياسات لن تؤدي سوى إلى "تقويض الثقة" في النظام التجاري العالمي، وفتح الباب أمام موجة من الحمائية والشعبوية الاقتصادية.
ترامب يصّر على قراراته
من جهته، لم يتوانَ ترامب عن تأكيد مُضيه قدمًا في سياسته الجمركية، مشيرًا أن الصين ليست الدولة الوحيدة المستهدفة، بل "كل من يستغل الولايات المتحدة"، في إشارة إلى حلفاء تجاريين آخرين كاليابان والاتحاد الأوروبي، الذين عبّر بعضهم عن نية التفاوض بدلًا من المواجهة.
ويحذّر مراقبون من أن الحرب التجارية قد تتحول إلى أزمة طويلة الأمد تعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية، خاصة مع استمرار واشنطن وبكين في استخدام الرسوم كأداة تفاوضية لا كوسيلة مؤقتة للضغط.
كما أن الشركات العالمية، وخاصة تلك التي تعتمد على سلاسل التوريد عبر المحيطين الهادئ والأطلسي، بدأت في البحث عن بدائل لتقليل المخاطر الناتجة عن هذا التوتر المتصاعد.
مؤكدين أن مع غياب مؤشرات حقيقية على استعداد الطرفين للتراجع أو التفاوض الجدي، تبدو الحرب التجارية مرشحة لمزيد من التمدد، وربما تتحول لاحقًا إلى حرب تكنولوجية أو حتى نزاع سياسي مفتوح، في مشهد يعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة، ولكن هذه المرة عبر صفقات التصدير وقوائم التعريفات الجمركية.
تصعيد يدفع إلى ركود
من جانبه، يقول د. إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد السياسي: إن تصاعد وتيرة الرسوم الجمركية يعكس تحولاً هيكليًا في طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية، مشيرًا أن الاقتصاد العالمي يشهد تراجعًا مستمرًا في مبادئ التجارة الحرة التي أرستها اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحولاً نحو سياسات أكثر قومية.
وأوضح شاهين -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن فرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى 84% من قبل الصين و104% من قبل الولايات المتحدة يهدد بتقويض منظومة سلاسل التوريد العالمية، مضيفًا أن "العديد من الصناعات تعتمد على مكونات تأتي من الصين أو تُنتج في الولايات المتحدة، وهذا الارتفاع الحاد في الرسوم سيؤدي إلى زيادة التكلفة النهائية على المستهلك".
وأشار أن الدول النامية، وعلى رأسها دول الشرق الأوسط، قد تتأثر بشكل غير مباشر بسبب تقلبات في أسعار السلع العالمية، وتحولات في تدفقات الاستثمار، مؤكدًا أن استمرار هذا التصعيد قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى حالة من الركود المتبادل، إذا لم يتم احتواؤه عبر مفاوضات حقيقية واستعادة قنوات الحوار بين الجانبين.