بعد العاصفة.. ترحيب دولي بوقف النار بين طهران وتل أبيب ودعوات لتثبيت الهدنة
بعد العاصفة.. ترحيب دولي بوقف النار بين طهران وتل أبيب ودعوات لتثبيت الهدنة

لم يكن مشهد التهدئة بين إيران وإسرائيل متوقعًا بعد اثني عشر يومًا من التصعيد العسكري العنيف الذي وضع المنطقة بأسرها على شفا انفجار شامل، لكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هدنة مفاجئة جاء كفاصل درامي في حرب بدت بلا سقف، مثيرًا ردود فعل ترحيبية على امتداد العواصم العربية والدولية، وبينما تسابق البيانات الرسمية الزمن للتعبير عن الأمل، ظل القلق يتسلل بين سطور الترحيب، إذ تتطلع العواصم الكبرى لمعرفة ما إذا كان الاتفاق هشًا بحجم ضغط اللحظة، أم أنه بداية لتغيير أعمق في قواعد الاشتباك الإقليمي، وبينما ترفع الدبلوماسية منسوب الأمل، تبقى العيون شاخصة نحو الجنوب اللبناني، والسواحل السورية، ومضيق هرمز، حيث قد تتقرر مصائر أكبر من مجرد هدنة.
*ترحيب سريع*
في تحول دراماتيكي لمسار التصعيد الذي شهده الشرق الأوسط منذ الثالث عشر من يونيو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دخول هدنة حيز التنفيذ بين إيران وإسرائيل، بعد مواجهات عسكرية غير مسبوقة بين الجانبين، شملت ضربات مباشرة وتبادل تهديدات نووية، رفعت منسوب القلق الإقليمي والدولي.
ورغم الغموض الذي يحيط بتفاصيل الوساطة الأمريكية، فإن الترحيب السريع من عدة عواصم عربية وأجنبية عكس تعطشًا عامًا لوقف الانزلاق نحو حرب مفتوحة قد تتجاوز حدود الشرق الأوسط.
*دعم السعودية للمسارات الدبلوماسية*
في الرياض، عبّرت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيبها بالاتفاق، معتبرة إياه "خطوة إيجابية لتهدئة التوتر"، ومؤكدة على دعم المملكة للمسارات الدبلوماسية القائمة على احترام سيادة الدول، والابتعاد عن سياسة الحروب بالوكالة أو المباشرة.
البيان السعودي أشار إلى "تطلع المملكة إلى التزام الأطراف بالامتناع عن استخدام القوة"، ما يعكس شكوكًا ضمنية في قدرة الأطراف على ضبط النفس على المدى البعيد.
أما الأردن، فاعتبر أن الاتفاق يمثل خطوة ضرورية نحو نزع فتيل الانفجار، ودعا إلى البناء على هذه الهدنة من خلال تعزيز التعاون الإقليمي ومنع تكرار سيناريوهات التصعيد.
*إشارة مصرية: فلسطين جوهر الصراع*
من جانبها، رحبت مصر بإعلان الرئيس ترامب عن التوصل لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وشددت على كونه تطورًا جوهريًا نحو احتواء التصعيد الخطير الذي شهدته المنطقة خلال الأيام الأخيرة، ومن شأنه أن يشكل نقطة تحول هامة نحو إنهاء المواجهة العسكرية بين البلدين واستعادة الهدوء بالمنطقة.
وأضاف البيان المصري، أن هذه الخطوة تمثل فرصة حقيقية لوقف دائرة التصعيد والهجمات المتبادلة، وتهيئة البيئة المواتية لاستئناف الجهود السياسية والدبلوماسية، وتدعو مصر الطرفين الإسرائيلي والإيراني بالالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس خلال هذه المرحلة الدقيقة، واتخاذ الإجراءات التي تسهم في تحقيق التهدئة وخفض التصعيد، بما يحافظ على أمن واستقرار المنطقة وسلامة شعوبها.
وتابع البيان المصري، اذ تثمن مصر هذه الخطوة الهامة نحو التهدئة، فإنها لطالما دعت الى وقف اطلاق النار وخفض التصعيد خلال اتصالاتها المباشرة المكثفة مع جميع الأطراف المعنية الإقليمية والدولية بما في ذلك أطراف الصراع على مدار الأسابيع الماضية، وتؤكد على استمرارها في بذل جهودها الدبلوماسية، بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لتثبيت وقف إطلاق النار ودعم مسار التهدئة، وصولًا إلى تسوية شاملة ومستدامة للأزمات التي تهدد استقرار المنطقة".
وجددت مصر التأكيد على أن القضية الفلسطينية تظل لب الصراع في المنطقة، وأن تسويتها بشكل عادل وشامل يحقق التطلعات الشرعية للشعب الفلسطيني يعد البديل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار المستدام فى المنطقة والعالم من خلال إقامة الدولة المستقلة على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية
*دوليًا.. تحذيرات من العودة إلى العنف*
وعلى المستوى الدولي، تتابعت بيانات الترحيب الحذر من مختلف العواصم الكبرى، ففي موسكو، رحّبت روسيا بوقف إطلاق النار، وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين: "إذا تم فعلا التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فلا يمكن أن يقابل ذلك إلا بالترحيب"، متابعًا، أن موسكو تأمل في أن يكون "وقف إطلاق النار هذا مستداما".
الصين من جانبها، أعربت على لسان قوه جيا كون المتحدث باسم وزارة خارجيتها، عن استعدادها للعمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأكدت الصين، أنها لا ترغب في تصعيد التوتر بين إسرائيل وإيران، ودعت جميع الأطراف المعنية إلى العودة إلى التسوية السياسية في أقرب وقت.
في السياق ذاته أشادت باريس بإعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، داعية الطرفين إلى التزام "وقف الأعمال العدائية بشكل كامل"، مضيفة، من مصلحة الجميع تفادي دوّامة جديدة من العنف تكون تداعياتها كارثية على المنطقة برمّتها.
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: إن "هذه خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار في منطقة متوترة"، موضحة، هذا يجب أن يكون أولويتنا الجماعية.
وتابعت: "ندعو إيران للانخراط بجدية في عملية دبلوماسية ذات مصداقية. لأن طاولة المفاوضات مازالت المسار الوحيد الملائم من أجل المضي قدما".
ورغم هذه المواقف الإيجابية، تبقى الهدنة معرضة للهشاشة في ظل غياب تفاصيل واضحة عن آليات التنفيذ أو الضمانات الدولية، لا سيما أن التجارب السابقة تؤكد أن التصعيد بين طهران وتل أبيب سرعان ما يجد طريقه للعودة، إما عبر ضربات بالوكالة أو من خلال قنوات عسكرية غير مباشرة في العراق وسوريا ولبنان.
*رقعة الحرب*
وبينما يرى مراقبون، أن المبادرة الأمريكية جاءت لتفادي توسيع رقعة الحرب في لحظة سياسية شديدة الحساسية لترامب، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات، يعتقد آخرون أن طهران استجابت للتهدئة لتفادي تصعيد نووي مباشر قد يخرج عن سيطرتها، خاصة مع تصاعد الضغط الروسي والصيني خلف الكواليس.
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن إعلان الهدنة بين إيران وإسرائيل لا يعكس بالضرورة تغيرًا جوهريًا في مواقف الطرفين، بقدر ما يُعد استجابة ظرفية لضغوط دولية وإقليمية مكثفة، خصوصًا من الولايات المتحدة وروسيا.
ويؤكد فهمي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن الطرفين وصلا إلى نقطة حرجة كادت تتحول إلى مواجهة مفتوحة تشمل أكثر من ساحة، مما استدعى تفعيل قنوات دبلوماسية خلفية كانت قائمة منذ الأيام الأولى للتصعيد.
ويشير أن واشنطن لعبت دورًا مركزيًا في كبح جماح إسرائيل من جهة، ودفع إيران إلى التهدئة من جهة أخرى، خاصة مع التهديدات التي صدرت عن طهران باستخدام القوة "غير التقليدية".
لكن فهمي يحذر من أن هذه الهدنة تفتقر إلى إطار مؤسسي واضح، ما يجعلها هشة وقابلة للانهيار إذا لم تُتبع بخطوات سياسية ملموسة، خصوصًا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والدور الإسرائيلي في الإقليم.
ويختم بالقول: إن استدامة الهدنة ستتوقف على قدرة القوى الكبرى – لا سيما الصين وروسيا – على توفير مظلة تفاوضية بديلة عن أدوات الضغط الأمريكية، مع ضرورة إدماج قضايا مركزية مثل: فلسطين ولبنان في أي تسوية مستقبلية لضمان استقرار إقليمي حقيقي، وليس مجرد توقف مؤقت لإطلاق النار.