دهسُ البراءة.. حادثة الطفلة غيثة تُفجر غضبًا شعبيًا في المغرب
دهسُ البراءة.. حادثة الطفلة غيثة تُفجر غضبًا شعبيًا في المغرب

في لحظة عبثية لم تستمر سوى ثوانٍ، تحوّل شاطئ سيدي رحال من فسحة للفرح إلى مسرح لجريمة كادت أن تُنهي حياة طفلة لم تبلغ الخامسة، حادث دهس غيثة، الطفلة المغربية العائدة لتوّها من إيطاليا، هزّ الوجدان الجمعي، وأطلق موجة غضب تجاوزت الرمال لتجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحولت كلمات التضامن إلى صرخة مجتمعية تطالب بالعدالة، ما حدث لم يكن مجرّد حادث عرضي، بل اختزال مؤلم لاستهتار قاتل طال براءة طفلة كانت تلهو بجوار والدها، والدها الذي لم يرَ سوى الدماء، ولم يسمع سوى صوت صرخته، أما غيثة، فقد دخلت في سباق مع الزمن، بين غرفة العمليات والأمل في الحياة، ومع تصاعد الدعوات لمحاسبة المتسبب، تحوّل اسمها إلى وسم يُلهب المشاعر ويُحرّك الضمائر، إنها ليست مجرد قضية شخصية، بل قضية رأي عام تعيد فتح النقاش حول المسؤولية، الرقابة، وثقافة التهور.
*تهور ثم مأساة*
لم تكن غيثة سوى طفلة صغيرة تنتظر لحظات لهو على شاطئ بلدها بعد غربة، في الخامس عشر من يونيو 2025، اصطحبها والدها إلى شاطئ سيدي رحال جنوب الدار البيضاء، حيث حفر حفرة بسيطة قرب الموج لتلعب فيها.
لحظة من البراءة تحوّلت إلى مأساة حين اجتاحت سيارة رباعية الدفع المنطقة المخصصة للمصطافين، تجر خلفها دراجة مائية، لتدهس جسد الطفلة وتُصيب رأسها إصابات بليغة.
الصورة التي رواها والد غيثة للإعلام المغربي كانت صادمة، قال: إنه رأى رأس ابنته مفتوحًا، وفكّها السفلي مفصولًا، والدماء تغمر الرمال، لحظات الهلع لم تمنعه من التحرك بسرعة، إذ حملها بين يديه إلى المستشفى، بينما كانت أنفاسها معلقة بين الحياة والموت.
التقارير الطبية أكدت وجود كسر في الجمجمة، نزيف داخلي، وتمزق في الأغشية الدماغية، ما استدعى تدخلًا جراحيًا فوريًا.
*غضب شعبي*
الصدمة لم تبقَ حبيسة الجدران الإسمنتية للمستشفى، بل خرجت إلى العلن، حيث أطلق المواطنون حملة إلكترونية واسعة تحت وسم #العدالة_لغيثة.
تجاوز الأمر التضامن العاطفي، ليصبح موقفًا وطنيًا ضد الإهمال و"ثقافة الاستهتار" كما وصفها كثيرون.
الصور والقصص التي تداولها المغاربة عن الحادث غزت الفضاء الرقمي، وتحولت إلى مرآة تعكس خيبة أمل من واقع لم يعد يأمن فيه الأطفال على أرواحهم حتى في أماكن الاستجمام.
استجابت النيابة العامة بسرعة، وأمرت باعتقال الشاب المتورط في الحادث احتياطيًا إلى حين انتهاء التحقيقات واستكمال التقرير الطبي، وأوضح بلاغ النيابة أن السيارة اقتحمت الفضاء المخصص للمصطافين دون أي مبرر قانوني، ما يُعد خرقًا صريحًا للقوانين المنظمة لاستخدام الشواطئ.
غيثة، التي كانت قد وصلت إلى المغرب مع أسرتها لقضاء عطلة الصيف، وجدت نفسها فجأة في مواجهة الموت، لا لذنب ارتكبته، بل لأن أحدهم قرر أن يضع راحته فوق أمن الآخرين.
وهي ليست الضحية الأولى لحوادث مماثلة في شواطئ المملكة، حيث سبق أن سجلت حالات دهس أو إصابات بسبب مركبات تخترق المناطق الممنوعة.
قضية غيثة سلطت الضوء على ضعف الرقابة في الأماكن العامة، وتدق ناقوس الخطر حول ضرورة إعادة النظر في سلوكيات بعض المصطافين، وآليات الدولة في ضبط المخالفات، كما أعادت النقاش حول دور السلطات المحلية في فرض حواجز آمنة وفصل المركبات عن المساحات العائلية، خاصة في فصل الصيف.
ووسط هذه الأجواء المشحونة، خرج الأب مجددًا ليطمئن الرأي العام بتحسن الحالة الصحية لابنته، شاكرًا المغاربة على ما وصفه بـ"الوفاء الإنساني والتضامن الشعبي غير المسبوق".
وقد طالب ناشطون بتحويل القضية إلى حملة وطنية لحماية الأطفال في الفضاءات العامة، وسن قوانين أكثر صرامة بحق المستهترين بأرواح الآخرين.
غيثة، رغم صغرها، أيقظت وجدان أمة، وحرّكت قضية تلامس كل بيت مغربي. وربما يكون هذا الألم مدخلًا لتغيير طال انتظاره في العقليات والقوانين، من أجل أن لا تُزهق روح بريئة أخرى على شاطئ ما.