هدوء هش وسماء مشتعلة.. الجنوب اللبناني في مرمى الغارات رغم الاتفاقات

هدوء هش وسماء مشتعلة.. الجنوب اللبناني في مرمى الغارات رغم الاتفاقات

هدوء هش وسماء مشتعلة.. الجنوب اللبناني في مرمى الغارات رغم الاتفاقات
جنوب لبنان

على وقع هدوء هشّ في جنوب لبنان، جاء صوت الانفجار ليمزق الصمت، ويعيد التذكير بأن وقف إطلاق النار القائم بين حزب الله وإسرائيل ليس أكثر من هدنة مؤقتة، فبينما تغفو القرى الحدودية على أمل انتهاء المواجهات، استهدفت طائرة إسرائيلية مسيّرة سيارة مدنية في بلدة كفردجال؛ ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، في تصعيد إشعال الأمور في الجنوب، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية في نوفمبر الماضي، إلا أن العمليات العسكرية لم تغب يومًا عن المشهد، وسط استمرار الخروقات الإسرائيلية وتبادل الرسائل بالنار، هذه الضربة الجديدة، وإن كانت ضمن سلسلة غارات لم تتوقف، تكشف مجددًا هشاشة التفاهمات الميدانية، وتضع علامات استفهام حول مدى التزام الطرفين بها، في وقت تتزايد فيه نذر الانفجار على أكثر من جبهة، من الجنوب اللبناني حتى تخوم غزة والضفة الغربية.

*غارات مستمرة*


في تطور ميداني لافت يُنذر بعودة التصعيد إلى الواجهة، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل ثلاثة أشخاص، يوم الثلاثاء، جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة مدنية في بلدة كفردجال الواقعة جنوب البلاد. 

الغارة، التي نُفذت عبر طائرة مسيّرة، تُمثل خرقًا جديدًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر الماضي بوساطة أميركية، وأنهى مواجهات استمرت شهرين بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على جانبي الحدود.

وبحسب ما نقلته "الوكالة الوطنية للإعلام" اللبنانية، فإن الطائرة استهدفت السيارة بشكل مباشر؛ ما أدى إلى احتراقها بالكامل ومقتل من كانوا على متنها، دون الكشف رسميًا عن هوياتهم حتى لحظة إعداد التقرير.

 لكن مصادر أمنية محلية لم تستبعد أن يكون المستهدفون من المنتمين لحزب الله أو مقربين منه، خاصة وأن المنطقة شهدت خلال الأشهر الماضية عمليات مشابهة طالت قيادات ميدانية.

الغارة تأتي في سياق تصعيد متواصل على الجبهة الجنوبية، رغم وقف إطلاق النار الذي نص على انسحاب حزب الله من المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، مقابل انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي تقدم إليها خلال المواجهة الأخيرة. 


غير أن إسرائيل أبقت سيطرتها على خمس تلال استراتيجية، يطالب لبنان باستعادتها، ما يُبقي خطوط التماس متوترة.

*رسالة مزدوجة لحزب الله*


الجيش الإسرائيلي أعلن، من جانبه، تنفيذ غارات متزامنة شمال نهر الليطاني، قال: إنها استهدفت مواقع لحزب الله تحتوي على "منصات إطلاق صواريخ ومستودعات للأسلحة"، فيما بدا رسالة مزدوجة لحزب الله والدولة اللبنانية بأن تل أبيب لن تلتزم بأي خطوط حمراء إذا ما رأت تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي' إن العمليات ستستمر "طالما بقي حزب الله يحتفظ ببنيته العسكرية قرب الحدود"، معتبرًا أن الانسحاب من مناطق جنوب الليطاني لم يُنفذ بشكل كامل، وأن الحزب يُعيد التموضع بطرق ملتوية.

*صمت الحزب*


وفي السياق ذاته، كانت الحكومة الإسرائيلية قد وجّهت رسائل تحذيرية في وقت سابق من هذا الشهر، تؤكد فيها نيتها مواصلة "ضرب حزب الله في العمق اللبناني"، ما لم تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات عملية لنزع سلاح الحزب أو تقليص قدراته الصاروخية.

في المقابل، لم يصدر تعليق رسمي من حزب الله حتى الآن بشأن الغارة، في ما قد يُفسَّر ضمن استراتيجية الحزب في امتصاص الضربات التكتيكية وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة، لا سيما في ظل الانشغال الإقليمي والدولي بملف غزة، والمفاوضات غير المباشرة الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، الحليف الأبرز للحزب.

وتُثير العودة إلى سياسة الاغتيالات الجوية في الجنوب اللبناني مخاوف من انزلاق الوضع نحو جولة جديدة من التصعيد الشامل، خاصة في ظل غياب أي أفق سياسي للحل، واستمرار التجاذب الإقليمي والدولي حول دور حزب الله في الداخل اللبناني وعلى الجبهة مع إسرائيل.

ويُذكّر هذا النمط من الاستهدافات بما جرى في السنوات السابقة، حيث كانت إسرائيل تعتمد سياسة "الضربات الوقائية" لتقليص قدرات حزب الله أو استهداف قياداته في لحظات التوتر، دون الانجرار إلى حرب مفتوحة، وهو ما قد يعيد إنتاج سيناريوهات مشابهة في الأيام المقبلة إذا لم يُحتوى التصعيد الأخير دبلوماسيًا.