من هي كاترين شاكدام.. الجاسوسة التي اخترقت قلب النظام الإيراني
من هي كاترين شاكدام.. الجاسوسة التي اخترقت قلب النظام الإيراني

في لحظة نادرة من الذهول الجماعي، انقلبت صورة صحفية كانت إلى وقت قريب تُعد من أصدقاء الجمهورية الإسلامية إلى كابوس أمني يلاحق المؤسسات الإيرانية، إنها كاترين بيريز شاكدام، الكاتبة التي دخلت إيران بعباءة المذهب الشيعي، وخرجت منها بصفتها "يهودية عائدة" تُتهم اليوم بأنها عميلة للموساد، لم تكن مجرد مراسلة أجنبية تعاطفت مع النظام، بل نجحت في التسلل إلى أعمق مؤسساته، وكتبت في منابر المرشد الأعلى، بل ورافقت شخصيات من الصف الأول، التحول الصادم في سردية شاكدام من مؤمنة بالثورة إلى جاسوسة مزعومة يثير أسئلة عميقة عن اختراق الدولة من الداخل، وعن قدرة الأجهزة الإيرانية على تمييز الأصدقاء من الأعداء.
*من باريس إلى طهران.. مسار تسلل ناعم*
لم تكن كاترين شاكدام في بداياتها سوى طالبة يهودية في كلية لندن للاقتصاد، لكنها مع الوقت، وارتباطها برجل يمني مسلم، قررت تغيير هويتها الروحية، فاعتنقت الإسلام، ومالت إلى التشيع، وانغمست تدريجيًا في خطاب معادٍ لإسرائيل، بلغ ذروته في مقالات لاذعة كتبتها بالإنجليزية في صحف إيرانية رسمية، وصفت فيها الإسرائيليين بـ"الكلاب المسعورة".
في أروقة الصحافة الإيرانية الناطقة بالإنجليزية، لمع اسمها سريعًا، واستُقبلت مقالاتها على أنها صوت خارجي نادر يدافع عن إيران والمقاومة، في وقت كانت فيه الجمهورية الإسلامية تخوض صراعًا شرسًا مع الغرب إعلاميًا وسياسيًا.
وقد ساعدت خلفيتها الغربية ومظهرها المحافظ على تعزيز هذا الانطباع، حتى بدت في نظر البعض كأنها مكسب ثقافي للنظام.
*بين حملة رئيسي ومؤسسات المرشد*
بلغ نفوذ شاكدام ذروته في انتخابات عام 2017، عندما تمكنت من إجراء مقابلة تلفزيونية مع إبراهيم رئيسي، الذي سيصبح لاحقًا رئيس الجمهورية.
حصلت على تصريح خاص لمرافقته في إحدى جولاته الانتخابية بمدينة رشت، وهو امتياز نادر حتى للصحفيين المحليين.
وخلال تلك الفترة، كتبت ما لا يقل عن 18 مقالًا نُشرت على الموقع الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي، وهو مؤشر مذهل على مدى الثقة التي أولاها لها النظام.
كانت تتحدث عن المقاومة الفلسطينية، وتهاجم إسرائيل بحدة، وتبدو كأنها تكتب من منطلق عقائدي خالص.
*التحول المفاجئ.. العودة إلى الجذور*
في عام 2022، حدث التحول الذي قلب كل شيء، أعلنت شاكدام عودتها إلى اليهودية، بعد سنوات من إنكار الهوية، كما قالت، وفي مقابلة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، كشفت أنها كانت مدفوعة بكراهية الذات، وأنها أدركت لاحقًا أنها خدمت قضايا معادية لها ولجذورها الدينية، هذا التصريح لم يكن مجرد إعلان روحي، بل صفعة مدوية للأوساط الإيرانية التي احتضنتها طويلاً.
الأمر لم يتوقف هنا، إذ سرعان ما بدأت اتهامات تطاردها بأنها "جاسوسة للموساد" تسللت إلى النظام الإيراني متخفية في زي إعلامية مؤمنة.
وتناقلت مواقع إيرانية معارضة ومؤيدة على حد سواء، روايات متضاربة حول علاقاتها بالمسؤولين، بل واتهمها أنصار الرئيس السابق أحمدي نجاد بأنها أقامت علاقات جنسية مع عدد من القيادات، وهو ما نفته الأطراف كافة.
*هل كانت عملية استخباراتية محكمة؟*
رغم نفي شاكدام علاقتها بأي جهاز استخباري، تظل الطريقة التي تسللت بها إلى قلب الإعلام والسياسة الإيرانية محل تساؤل.
كيف تمكنت امرأة غربية من الوصول إلى المرشد الأعلى نفسه، والنشر على موقعه الرسمي، والتصوير مع الرئيس، ألا يُفترض أن هذه المنافذ تمر بإجراءات أمنية مشددة.
هنا تطرح القضية نقطة ضعف خطيرة في البنية الاستخباراتية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على المظهر واللغة العقائدية كمعايير للثقة، فهل كانت إيران ضحية خداع ناعم، أم أن هناك خللاً هيكليًا أعمق في تصورات النظام عن أعدائه؟
*ردود رسمية مرتبكة وصمت استراتيجي*
النظام الإيراني لم يتبنَ رسميًا الرواية المتداولة حول ارتباط شاكدام بالموساد، لكن النفي الخجول من قبل المرشد، يشي بأن هناك ارتباكًا في التعامل مع الفضيحة.
قد تكون طهران تخشى من أن اعترافًا كاملاً بالاختراق سيعني الإقرار بعجز مؤسساتها عن حماية رموزها.
من جهة أخرى، تُظهر الحملة الإلكترونية التي طالت شاكدام حالة توتر داخل تيارات النظام نفسه، حيث حاول أنصار نجاد استثمار القضية لتوجيه السهام نحو منافسيهم في التيار المحافظ.