من جنيف إلى برلين.. محاولة أممية أخيرة لإنقاذ ليبيا من عبث الداخل وصراع الخارج

من جنيف إلى برلين.. محاولة أممية أخيرة لإنقاذ ليبيا من عبث الداخل وصراع الخارج

من جنيف إلى برلين.. محاولة أممية أخيرة لإنقاذ ليبيا من عبث الداخل وصراع الخارج
ليبيا

بعد سنوات من المبادرات المتعثرة، يعود مسار برلين إلى دائرة الضوء كمحاولة دولية جديدة لانتشال ليبيا من مستنقع الانقسام والفوضى، وبينما فشلت جميع المسارات المحلية في الاتفاق على قاعدة دستورية تقود إلى انتخابات طال انتظارها، تراهن الأمم المتحدة مجددًا على طاولة الحوار الدولي لإعادة ضبط البوصلة الليبية، تأتي هذه النسخة الثالثة من المؤتمر، المقرر عقدها في 20 يونيو الجاري، في وقت حساس تتداخل فيه الحسابات الإقليمية والدولية، وتزداد فيه هشاشة الأمن الداخلي، خاصة بعد مقتل قيادي مليشياوي بارز في طرابلس، وسط هذه الظروف، تبرز أسئلة محورية: هل تنجح برلين مجددًا في صياغة خارطة طريق قابلة للتنفيذ؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاوز خلافاته حول ليبيا، في وقت تحوّلت فيه البلاد إلى ساحة صراع غير معلن بين القوى الكبرى؟ وبين تطلعات الليبيين وخيباتهم المتكررة، يترقب الداخل الليبي ما ستؤول إليه نتائج مؤتمر قد يكون الفرصة الأخيرة قبل انفجار جديد.

*مسار برلين يعود*


تستعد العاصمة الألمانية برلين لاحتضان الجولة الثالثة من المؤتمر الدولي بشأن ليبيا، في محاولة لإحياء العملية السياسية التي باتت شبه مشلولة. 

المؤتمر، المقرر عقده في 20 يونيو برعاية الأمم المتحدة، يُنظر إليه كفرصة حاسمة لكسر الجمود القائم منذ سنوات، خاصة في ظل الفشل المحلي في التوافق على قاعدة دستورية تفتح الطريق أمام الانتخابات المؤجلة مرارًا.

منذ انطلاق أولى نسخ مؤتمر برلين عام 2020، ظل المسار يعوّل على توافق دولي يمهّد لحل سياسي شامل، إلا أن الواقع الليبي كان غالبًا أقوى من أي صياغات دبلوماسية.

اليوم، تعود برلين بدعوة من بعثة الأمم المتحدة وبمشاركة الدول الراعية للمسار، وهي: مصر، الإمارات، الولايات المتحدة، روسيا، ألمانيا، فرنسا، وإيطاليا، إلى جانب الاتحاد الأفريقي، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من فرص التسوية السياسية.

الجديد في هذه النسخة هو إقرار أممي ضمني بفشل المسارات الليبية الداخلية، ما دفع البعثة إلى تكثيف مشاوراتها مع الأطراف المحلية والدولية، وسط تلميحات جدية إلى إمكانية طرح خارطة طريق بديلة، تتضمن تشكيل لجنة حوار جديدة من 60 عضوًا تمثل مختلف الأطياف الليبية، لتكون بمثابة هيئة تأسيسية تعمل على تشكيل حكومة جديدة وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرًا.

*أزمة الثقة.. وحكومة على وشك الانتهاء*


بحسب المحلل الليبي عبد الحكيم معتوق، فإن هناك قناعة داخل أروقة الأمم المتحدة بأن حكومة عبد الحميد الدبيبة لم تعد تمثّل مظلة شرعية، بعدما تجاوزت المدة المنصوص عليها في مخرجات جنيف.

ويرجّح معتوق -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن يتم الإعلان، عقب مؤتمر برلين، عن سحب الثقة من حكومة الدبيبة بدفع أممي ودولي، وفتح الباب أمام حكومة جديدة تُناط بها مسؤولية تهيئة الأرضية للانتخابات، وإعادة صياغة مشروع الدستور.

ويرى معتوق، أن هذا السيناريو يحظى بدعم من شرائح واسعة في الداخل الليبي، سواء على مستوى السياسيين أو منظمات المجتمع المدني، التي ترى في تشكيل سلطة تنفيذية جديدة خطوة ضرورية لكسر حالة الجمود والانقسام.

*أجندات خفية وتوازنات دولية*


لكن ثمة وجهة نظر مغايرة يحذر منها المحلل السياسي عمر أبو سعيدة، الذي يرى أن المؤتمر لا يستهدف فقط حل الأزمة السياسية، بل يسعى، وفق تعبيره، إلى "إعادة تموضع" بعض القوى الكبرى في المشهد الليبي، لا سيما عبر الضغط لإخراج القوات الروسية الموجودة في البلاد تحت مسمى "المرتزقة".

ويعتقد أبو سعيدة -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن الحديث عن الانتخابات والوحدة الأمنية ما هو إلا غطاء لمشاريع سياسية وأمنية أوسع، تقودها قوى دولية تسعى إلى إعادة توزيع النفوذ في ليبيا بما يخدم مصالحها الإقليمية، مشيرًا أن البعثة الأممية تدرس أربعة سيناريوهات مختلفة يتم التشاور حولها مع اللاعبين المحليين والدوليين، دون الإعلان عنها رسميًا حتى الآن.

*برلين كإطار قانوني.. لا مجرد مؤتمر*


أحد أبرز ملامح أهمية مسار برلين، وفق محللين، هو إمكانية ترسيخ مخرجاته بقرار ملزم من مجلس الأمن الدولي، كما حدث في المؤتمرات السابقة، ما يمنحه ثقلاً قانونيًا قد يُجبر الفرقاء الليبيين على الانصياع له، ولو اضطرارًا.

وفي حال تضمين هذه المخرجات ضمن قرارات أممية، فإن اعتراض حكومة الدبيبة أو غيرها من الأطراف قد يُواجَه بعقوبات دولية، وهو ما يضفي على المؤتمر طابعًا زجريًا لا يستهان به.

*ليبيا بين خيارات ضيقة وساعة دولية تمضي*

في هذا السياق، يرى مراقبون، أن ليبيا لا تبدو في موقع الاختيار بين بدائل مفتوحة. فالمشهد السياسي المحلي مأزوم، والمجتمع الدولي بدأ يفقد صبره، والقوى الإقليمية تنخرط في صراع نفوذ يتجاوز حسابات الداخل، ويبقى مؤتمر برلين محطة مفصلية، إما يكتب فيها فصل جديد من التسوية، أو تنزلق البلاد نحو دورة جديدة من العنف والانقسام.

وأضافوا: أن مع كل هذا، ما يزال الليبيون يأملون في أن تثمر هذه الجولة أكثر من مجرد صور تذكارية وبيانات ختامية، وأن تترجم إلى خطوات ملموسة توقف العبث، وتعيد إلى الدولة الليبية ملامح مؤسساتها الغائبة منذ أكثر من عقد ونصف.