بيرني ساندرز.. السياسي الأمريكي الذي رفض جميع الغزوات الأمريكية
بيرني ساندرز.. السياسي الأمريكي الذي رفض جميع الغزوات الأمريكية

في وقت اختارت فيه الإدارة الأميركية التصعيد، خرج السيناتور الديمقراطي المخضرم بيرني ساندرز ليجدد موقفه المبدئي الرافض للسياسات العسكرية الأحادية، بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب تنفيذ ضربات جوية ضد مواقع نووية إيرانية، واصفًا إياها بأنها "غير دستورية بشكل صارخ".
وفي تصريحات نقلتها "بي بي سي"، شدد ساندرز على أن "الكونغرس وحده من يملك صلاحية إعلان الحرب، وليس الرئيس"، داعيًا إلى احترام الدستور الأميركي، والحفاظ على الضوابط الديمقراطية التي تمنع استخدام القوة العسكرية دون مساءلة.
موقفه لم يكن مفاجئًا، فالسيناتور عن ولاية فيرمونت لطالما رفض الانجرار وراء النزعات العسكرية، وسبق له أن عارض بشدة غزو العراق عام 2003، مطالبًا بإعادة تقييم شامل لدور أميركا العالمي.
الدفاع عن الفلسطينيين.. بين المبدئية والشجاعة
من بين أبرز مواقفه في السياسة الخارجية، تبنى ساندرز موقفًا واضحًا من الحرب الإسرائيلية على غزة، وندد مرارًا بالدعم الأميركي غير المشروط لتل أبيب، قائلاً: "ما يجري في غزة إبادة جماعية، وليس دفاعًا عن النفس".
وفي خطاب أمام الكونغرس، طالب بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة، مشيرًا أن "نتنياهو ينتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان بشكل سافر".
وأضاف: "لا يمكن أن نواصل إرسال القنابل بينما يُذبح الأطفال ويُجَوَّع المدنيون... هذا لا يمثل قيمنا".
ورفض ساندرز اتهام معارضي الاحتلال بمعاداة السامية، وأكد أن دعم الفلسطينيين لا يعني كراهية اليهود، بل التزام بالعدالة، ودعا إلى محاسبة الحكومة الإسرائيلية، مشيرًا أن إدارة نتنياهو "متطرفة وعنيفة" وتعرقل وصول المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر.
من بروكلين إلى مجلس الشيوخ.. مسيرة من الكفاح والالتزام
ولد السيناتور بيرني ساندرز في 8 سبتمبر 1941 في بروكلين، نيويورك، لأبوين يهوديين مهاجرين من بولندا، ونشأ في بيئة فقيرة أثرت بعمق على وعيه السياسي والاجتماعي، وعانى من فقدان والده في سن مبكرة، وهو ما شكل دافعه نحو الدفاع عن العدالة الاجتماعية ومناهضة الظلم الاقتصادي.
درس العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، حيث شارك في أبرز التحركات الحقوقية الأميركية، منها مسيرة "واشنطن من أجل الحرية" عام 1963 بقيادة مارتن لوثر كينغ، وهي تجربة حددت مساره السياسي لاحقًا.
وبعد تخرجه، عاش ساندرز لفترة في كيبوتس شمال إسرائيل، قبل أن يستقر في ولاية فيرمونت خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث عمل في مهن متعددة بينها النجار والصحفي المستقل.
رغم محاولاته الانتخابية الفاشلة المبكرة، تمكن عام 1981 من الفوز بمنصب عمدة برلنجتون، كبرى مدن فيرمونت، بعد فوز مفاجئ على مرشح الحزب الديمقراطي. من هنا بدأ صعوده السياسي الحاد، مكرسًا نفسه للدفاع عن القضايا الشعبية والعدالة الاجتماعية.
في عام 1990، دخل مجلس النواب الأميركي كأول نائب مستقل منذ 40 عامًا، ليصبح في ما بعد أحد أكثر الأصوات تقدمية داخل الكونغرس، ثم انتُخب عضوًا في مجلس الشيوخ عام 2006، وما يزال في المنصب حتى اليوم بعد إعادة انتخابه أكثر من مرة.
اشتراكي ديمقراطي... في قلب النظام الرأسمالي
يصف ساندرز نفسه بـ"الاشتراكي الديمقراطي"، وهو توجه غير مألوف في السياسة الأميركية، تبنى برنامجًا تقدميًا يتضمن الرعاية الصحية الشاملة، والتعليم الجامعي المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصلاح نظام الضرائب ليشمل الأغنياء والشركات الكبرى، إضافة إلى وضع حد لنفوذ المال في السياسة الأميركية.
عارض ساندرز حروب الولايات المتحدة، خصوصًا غزو العراق عام 2003، وندد بتوسع الدور العسكري الأميركي، كما أيد الانسحاب من أفغانستان وانتقد السياسات الأمنية التي يرى أنها تنتهك الحريات.
أعلن ساندرز ترشحه للانتخابات الرئاسية مرتين، عام 2016 في مواجهة هيلاري كلينتون، ثم عام 2020 في مواجهة جو بايدن، وعلى الرغم من فشله في نيل ترشيح الحزب الديمقراطي، فقد أحدث حراكًا جماهيريًا غير مسبوق، خاصة بين الناخبين الشباب والطبقات العاملة.
رفع شعارات مثل "ثورة سياسية" و"أميركا للجميع"، ونجح في تحريك الجدل الوطني تجاه القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ورغم انتقاده للنخبة الحاكمة في الحزبين، التزم بمساندة الحزب الديمقراطي في الانتخابات النهائية.
اشتهر ساندرز بمواقفه الجريئة في السياسة الدولية، خصوصًا انتقاده للدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، وصف الهجمات بأنها "إبادة جماعية"، ودعا إلى وقف إرسال الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.
اتهم حكومة بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم حرب وتجويع المدنيين، ورفض مساواة انتقاد إسرائيل بمعاداة السامية. دعا مرارًا إلى احترام حقوق الفلسطينيين، معتبرًا أن السياسة الأميركية تجاه غزة "عنصرية وغير أخلاقية".