تسونامي سيغنال.. زلزال تسريبات يهز البنتاغون ويطيح بكبار موظفيه
تسونامي سيغنال.. زلزال تسريبات يهز البنتاغون ويطيح بكبار موظفيه

في قلب أحد أكثر الأسابيع توترًا داخل أروقة وزارة الدفاع الأميركية، يشهد البنتاغون عاصفة غير مسبوقة من الإقالات والتغييرات المفاجئة في صفوف كبار موظفيه، على خلفية فضيحة تسريبات "سيغنال" التي تكشّفت تفاصيلها تباعًا. لم تعد المسألة مجرد خلل إداري أو تجاوز فردي، بل تحوّلت إلى أزمة مؤسسية تهدد بانكشاف دوائر القرار العليا أمام العالم، التقرير، الذي تم تداوله على نطاق محدود بداية، سرعان ما تسربت ملامحه إلى الصحافة، كاشفًا عن معلومات حساسة تتعلق بخطط عسكرية، وتحركات استراتيجية، وحتى صلات بمشروعات تكنولوجية خاصة، وفيما يتساقط المسؤولون تباعًا من مواقعهم، يُطرح السؤال الأهم: هل كان التسريب عرضيًا أم جزءًا من اختراق داخلي أعمق؟ وسط هذه الفوضى، تتجه الأنظار إلى إدارة الرئيس ترامب التي بدأت بإعادة ترتيب البيت الداخلي، في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة ومنع امتدادها إلى مؤسسات أخرى تمسّ الأمن القومي الأميركي.
موجات من التغييرات
تشهد وزارة الدفاع الأميركية موجة من التغييرات الجذرية في صفوف كبار موظفيها، وذلك في إطار ما وصفه مراقبون بأنه "أكبر أزمة ثقة داخلية" تضرب البنتاغون منذ سنوات، نتيجة ما بات يعرف بـ"فضيحة تسريبات سيغنال".
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى شبكة "بوليتيكو"، فقد تم إيقاف ثلاثة من كبار مسؤولي البنتاغون عن العمل مؤقتًا، فيما يستعد جو كاسبر، كبير موظفي وزير الدفاع بيت هيغسيث، لمغادرة منصبه خلال أيام قليلة.
كاسبر، الذي لطالما اعتُبر الذراع الإداري اليمنى لهيغسيث، هو من طلب بنفسه فتح تحقيق داخلي في التسريبات قبل أسابيع، الأمر الذي زاد من غموض دوره في هذه القضية.
التسريبات التي أثارت هذا الزلزال الإداري لم تكن عادية في محتواها، بل طالت ملفات في غاية الحساسية، منها خطط عسكرية مفترضة تتعلق بقناة بنما، ونشر حاملة طائرات أميركية إضافية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى معلومات عن توقف عمليات استخباراتية داعمة لأوكرانيا، وزيارات مقررة لشخصيات عامة مثل إيلون ماسك، ما أثار تكهنات بوجود ثغرات خطيرة في نظام حماية المعلومات داخل البنتاغون.
تورط مسؤولين
وما زاد من عمق الأزمة هو كشف التحقيقات الأولية عن تورط بعض المسؤولين المقربين من الوزير هيغسيث ونائبه، الأمر الذي دفع إلى إعادة النظر في شبكة الثقة داخل القيادة العسكرية.
وقد أدى ذلك إلى تسريع وتيرة قرارات الإقالة أو الإيقاف المؤقت عن العمل، في خطوة تهدف لامتصاص الغضب الداخلي والحيلولة دون امتداد الشكوك إلى أوساط أوسع داخل المؤسسة العسكرية.
البيت الأبيض لم يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحدث، إذ بدأ بالفعل بإعادة تشكيل مجلس الأمن القومي، واختيار مساعدين يتماهى فكرهم بشكل كبير مع توجهات الرئيس دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بإحكام السيطرة على التسريبات الإعلامية وتعزيز "الولاء المؤسسي" في المؤسسات السيادية.
الأطاحة بـ 6 أعضاء
ووفقًا لتقارير صحفية، فإن هذه التغييرات تأتي كذلك بعد قرارات إقالة طالت ستة أعضاء من مجلس الأمن القومي خلال هذا الشهر، على خلفية التحقيقات ذاتها.
ويُعتقد أن أحد أبرز أسباب هذه الإجراءات المتسارعة، هو تسريب معلومات متعلقة بتوقيت وأهداف ضربة أميركية ضد الحوثيين في اليمن، الأمر الذي وصفه مسؤولون سابقون بأنه "تجاوز للخطوط الحمراء في الأمن القومي".
محللون سياسيون يرون، أن هذه الفضيحة، رغم محدودية التفاصيل المعلنة، تشير إلى وجود "تشقق هيكلي" في منظومة التواصل الداخلي للبيت الأبيض والبنتاغون.
كما أنها تفتح باب التساؤلات حول ما إذا كان الأمر نتاج تقصير أمني تقني، أم أن هناك اختراقًا سياسيًا أعمق يستدعي تدخلاً أوسع من أجهزة الاستخبارات.
وفي الوقت الذي يعمل فيه البيت الأبيض على ضبط الأوضاع، تتزايد الضغوط على وزير الدفاع هيغسيث الذي بات يُنظر إليه كمسؤول عن دائرة فقدت السيطرة على سرية معلوماتها.
ومع تنامي الحديث عن تعديلات وزارية مرتقبة، يُرجّح أن لا تكون التغييرات الحالية سوى بداية لسلسلة قرارات تطال مؤسسات أخرى على صلة مباشرة بصناعة القرار الأمني والعسكري في الولايات المتحدة.
في ظل هذه التطورات، تتجه الإدارة الأميركية نحو مراجعة شاملة لأنظمة حماية المعلومات، خاصة تلك المتعلقة بفرق العمل داخل البنتاغون ومجلس الأمن القومي. ويبدو أن مرحلة ما بعد "سيغنال" ستشهد تصعيدًا على مستويات متعددة، قد لا تقتصر تداعياته على الداخل الأميركي فقط، بل ربما تعيد تشكيل نهج واشنطن في إدارة ملفاتها الحساسة دوليًا.