الحوثيون في 2025.. بين نار الغارات وسيف العقوبات الأميركية

الحوثيون في 2025.. بين نار الغارات وسيف العقوبات الأميركية

الحوثيون في 2025.. بين نار الغارات وسيف العقوبات الأميركية
قصف الحوثي

مع اقتراب عام 2025 من نهايته، بدا واضحًا أن هذا العام لم يكن عابرًا في مسار الصراع اليمني، ولا في علاقة جماعة الحوثي بالولايات المتحدة، فقد حملت الشهور الماضية تصعيدًا غير مسبوق في أدوات الضغط الأميركية، جمع بين القوة الصلبة عبر الغارات الجوية، والقوة الاقتصادية والسياسية من خلال حزم عقوبات متلاحقة طالت قيادات وشبكات تمويل وبنى لوجستية حيوية للجماعة.

 عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير أعادت إلى الواجهة نهج "الضغط الأقصى"، لكن بصيغة أكثر اتساعًا وحزمًا، في ظل تصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وبينما سعت واشنطن إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك، وجد الحوثيون أنفسهم أمام عام مثقل بالخسائر البشرية والاقتصادية، وضغوط متراكمة أعادت طرح أسئلة كبرى حول قدرتهم على الصمود والمناورة في بيئة إقليمية ودولية أكثر تشددًا.

بداية التصعيد الأمريكي

لم يكن تصعيد واشنطن ضد الحوثيين في 2025 مجرد رد فعل آني على هجمات متفرقة، بل جاء ضمن استراتيجية متكاملة استهدفت تقويض قدرات الجماعة عسكريًا وتجفيف منابع تمويلها، وصولًا إلى عزلها سياسيًا، فمع إعلان الحوثيين استئناف استهداف السفن في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، رأت الإدارة الأميركية أن خطوط التجارة العالمية باتت تحت تهديد مباشر، ما استدعى تحركًا واسع النطاق.

أولى إشارات هذا التحول تمثلت في إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في الرابع من مارس، وهو قرار حمل أبعادًا قانونية وسياسية عميقة، إذ فتح الباب أمام تشديد الخناق المالي، وقيّد حركة الأفراد والكيانات المرتبطة بالجماعة، ووجه رسالة حازمة لحلفائها الإقليميين. لم يكن هذا القرار معزولًا، بل جاء تتويجًا لسلسلة من سبع جولات عقوبات امتدت من يناير حتى نوفمبر.

عقوبات اقتصادية


وخلال تلك الفترة، استهدفت العقوبات الأميركية ما مجموعه 79 شخصًا وكيانًا وسفينة، في محاولة لضرب البنية الاقتصادية التي يعتمد عليها الحوثيون في تمويل عملياتهم. 

شملت الإجراءات 24 قياديًا بارزًا، وقرابة 46 شركة وبنكًا وكيانًا تجاريًا، إضافة إلى 9 سفن لعبت أدوارًا لوجستية في نقل الوقود والسلع.

الجولة الأولى في يناير ركزت على القطاع المصرفي، في خطوة هدفت إلى شل القنوات المالية. أما الجولة الثانية في مارس، فطالت شخصيات سياسية نافذة داخل الجماعة، في مقدمتها متحدثها الرسمي محمد عبدالسلام وعدد من الوجوه القيادية الأخرى.

توسعت دائرة الاستهداف في أبريل ويونيو لتشمل بنوكًا وشركات طاقة وشحن، اتُهمت بتسهيل استيراد النفط والغاز بعيدًا عن الأطر القانونية، وبدا واضحًا أن واشنطن تسعى إلى ضرب اقتصاد الظل الحوثي، الذي نما خلال سنوات الحرب مستفيدًا من الفوضى والعقوبات السابقة.

 ذروة هذا المسار جاءت في سبتمبر، مع أكبر حزمة عقوبات دفعة واحدة، استهدفت عشرات الأفراد والكيانات، بينهم قيادات اقتصادية وعسكرية من الصفين الأول والثاني.

الفارس الخشن

لكن العقوبات، على شدتها، لم تكن سوى أحد وجهي المشهد. الوجه الآخر تمثل في عملية عسكرية واسعة النطاق حملت اسم الفارس الخشن، ونُفذت على مدى 52 يومًا بين منتصف مارس وبداية مايو، خلال هذه الفترة، شنت الولايات المتحدة عشرات الموجات الجوية التي تجاوز عدد غاراتها الألف، مستندة إلى معلومات استخباراتية دقيقة.

اتسمت الضربات بتوزيع جغرافي واسع، شمل معاقل الحوثيين التقليدية في صنعاء وصعدة، إضافة إلى الحديدة ومأرب وعمران والجوف والبيضاء، لم تقتصر الأهداف على مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل طالت مخازن أسلحة، ومنشآت لوجستية، وبنى تحتية للطاقة والاتصالات، بعض الغارات حمل طابعًا تأديبيًا، كاستهداف منشآت نفطية، فيما جاءت أخرى انتقامية ذات رسائل ردع واضحة، مثل تدمير مرافق موانئ استراتيجية.

اللافت في هذه الحملة كان تركيزها على القيادات الميدانية والتقنية، فقد أسفرت ضربات دقيقة عن مقتل قادة مسؤولين عن إدارة الهجمات البحرية وتشغيل منظومات الصواريخ والطائرات المسيّرة.

كما استهدفت الغارات مراكز قيادة محصنة ومخازن تحت الأرض، في محاولة لتقويض القدرات الدفاعية الجوية للحوثيين وشل منظومات الرصد والاتصال.

ارتفاع كلفة التصعيد

وبحسب تقديرات مراكز رصد الصراعات، قُتل مئات من عناصر وقيادات الحوثيين خلال هذه الحملة، بينهم شخصيات لعبت أدوارًا محورية في التخطيط والتنفيذ، هذه الخسائر، إلى جانب الضغط الاقتصادي المتزايد، وضعت الجماعة أمام تحديات غير مسبوقة، سواء على مستوى القدرة العملياتية أو التماسك الداخلي.

في المحصلة، كشف عام 2025 عن مرحلة جديدة من الصراع، تتسم بارتفاع كلفة التصعيد على الحوثيين، مقابل إصرار أميركي على إعادة فرض الردع وحماية الممرات البحرية الدولية، ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الضغوط ستدفع الجماعة إلى إعادة حساباتها، أم ستفضي إلى جولات جديدة من المواجهة في منطقة لا تحتمل مزيدًا من الاشتعال.