الجبهة الشمالية لإيران تشتعل دبلوماسيًا.. هل تتورط أذربيجان في دعم تل أبيب؟

الجبهة الشمالية لإيران تشتعل دبلوماسيًا.. هل تتورط أذربيجان في دعم تل أبيب؟

الجبهة الشمالية لإيران تشتعل دبلوماسيًا.. هل تتورط أذربيجان في دعم تل أبيب؟
إيران وأذربيجان

في خضم التصعيد المتسارع بين طهران وتل أبيب، برزت باكو كحلقة مريبة في سلسلة الأحداث المتشابكة التي تهدد بتوسيع رقعة الصراع الإقليمي، ففي تصريح لافت، كشف السفير الإيراني لدى أرمينيا عن فتح تحقيق رسمي في احتمال استخدام إسرائيل للأراضي الأذربيجانية لإطلاق طائرات مسيّرة استهدفت إيران.

 الاتهام، وإن لم يُعلن بصيغة قطعية، يحمل في طياته رسالة مزدوجة: تحذير مبطن إلى أذربيجان، واستدعاء دبلوماسي مبكر لاحتمالات التصعيد على جبهة الشمال، وما بين التصريحات الإيرانية المحذّرة، والتطمينات الرسمية من باكو، يبقى السؤال معلّقًا: هل دخلت العلاقات بين إيران وأذربيجان منعطفًا أمنيًا جديدًا؟

المجهر الإيراني


تتصاعد المؤشرات على وجود فتيل أمني جديد يوشك أن يشتعل على حدود إيران الشمالية، حيث أعلنت طهران، عبر سفيرها لدى أرمينيا مهدي سبحاني، أنها تحقق في تقارير تتحدث عن احتمال استخدام إسرائيل لأراضي أذربيجان كمنصة لإطلاق طائرات مسيّرة استهدفت الداخل الإيراني خلال الجولة الأخيرة من التصعيد العسكري بين الطرفين.

تصريحات سبحاني جاءت عبر وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، وتحمل في مضمونها إشارة واضحة أن طهران لا تعتبر مثل هذا السلوك مجرد حادث عرضي، بل تصفه بـ"الانتهاك الخطير"، ما يضع باكو تحت المجهر الإيراني، سياسيًا وأمنيًا.

 السفير الإيراني شدد على أن إيران طلبت من السلطات الأذربيجانية فتح تحقيق رسمي وشفاف، مشيرًا أن نتائج التحقيق قد تحدد طبيعة الرد الإيراني لاحقًا.

وأشار سبحاني، أن طهران لم تؤكد بعد صحة التقارير، لكنها تتعامل معها بجدية قصوى، لا سيما في ظل معلومات تشير إلى دخول طائرات مسيّرة صغيرة من دول مجاورة للأجواء الإيرانية، ما يضيف بعدًا جغرافيًا معقّدًا للمواجهة الإسرائيلية- الإيرانية التي تخطت ساحات الوكالة التقليدية في لبنان وسوريا والعراق.

ضمانات لفظية


في هذا السياق، كشف سبحاني عن اتصال هاتفي تم بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، حيث تعهدت باكو بعدم السماح باستخدام أراضيها ضد إيران.

غير أن طهران، على ما يبدو، لا تكتفي بالضمانات اللفظية، وتصرّ على ضرورة الحصول على معلومات دقيقة ومحققة قبل اتخاذ موقف نهائي.

تأتي هذه التطورات بعد أقل من ثلاثة أشهر على زيارة بزشكيان إلى العاصمة الأذربيجانية، حيث تم التفاهم على إطلاق خطة تعاون استراتيجية تهدف إلى كسر حالة التوتر بين البلدين التي استمرت لسنوات بسبب تقارب باكو من إسرائيل.

إذ لا تخفي إيران قلقها من العلاقة المتنامية بين أذربيجان وتل أبيب، التي تمدها بأسلحة متطورة وتكنولوجيا عسكرية تُعد حساسة في الحسابات الأمنية لطهران.

يُذكر أن التوتر الإيراني- الأذربيجاني تصاعد في أكثر من مناسبة سابقة، خاصة بعد الهجوم الذي استهدف سفارة أذربيجان في طهران مطلع 2023، وما تلاه من حملة شنتها باكو ضد ما وصفته بـ"شبكة تجسس إيرانية"، وتضمنت مداهمة مؤسسات إعلامية موالية لطهران وتوقيف عدد من الأفراد دون الكشف عن هوياتهم.

التحقيق الإيراني الحالي لا يمكن فصله عن سياق التصعيد المباشر بين إيران وإسرائيل، والذي بلغ ذروته قبل أسبوعين عندما شنّت تل أبيب ضربة مباغتة ضد أهداف إيرانية، تبعتها ضربة أميركية استهدفت مواقع نووية إيرانية، وردّت إيران بعدها بقصف قاعدة "العديد" الأميركية في قطر.

وفي خضم هذه الأحداث، يظهر استخدام الأراضي الأذربيجانية كعنصر جديد يُهدد بتدويل ساحة الاشتباك، عبر طرف ثالث تحاول كل من طهران وتل أبيب استقطابه أو تحييده.

بين الحذر والريبة


من جانبهم، أكد مراقبون إن ما يقلق طهران فعليًا ليس فقط احتمالية تورط أذربيجان بشكل غير مباشر في الهجمات، بل أن ذلك يعكس نمطًا استراتيجيًا تتبعه إسرائيل في نقل الصراع إلى حدود جديدة، والاعتماد على حلفاء جدد في ظهر إيران.

من هنا، فإن الرسالة الإيرانية إلى باكو، وإن جاءت عبر القنوات الدبلوماسية، تحمل في طياتها تهديدًا ضمنيًا بأن الحياد الظاهري لا يُعفي من المسؤولية.

وبالمقابل، تحاول أذربيجان الموازنة بين شراكتها العسكرية مع إسرائيل، وحساسياتها الجغرافية والدينية مع إيران، لكنها تبدو اليوم في اختبار جديد لقدرتها على الحفاظ على هذه المعادلة الدقيقة دون أن تتحول إلى ساحة صراع إقليمي.

تحذير مدروس


من جهته، يرى د. محمد خيري، أن التصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن احتمال استخدام إسرائيل للأراضي الأذربيجانية لإطلاق طائرات مسيّرة ضد إيران تمثل تطورًا خطيرًا في مسار الاشتباك الإقليمي، لكنها أيضًا تعبّر عن استراتيجية "التحذير المدروس" التي تنتهجها طهران في لحظات الغموض، فبحسب خيري، لم تعتمد إيران لهجة الاتهام المباشر، لكنها في المقابل حرصت على إيصال رسالة واضحة مفادها أن أي استخدام لأراضٍ مجاورة في ضرب أمنها القومي سيُقابل برد سياسي وربما عسكري، ما يضع أذربيجانموقف دقيق أمام طرفين متصارعين تجمعهما معها علاقات حساسة.


ويضيف خيري في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن توجّه إيران نحو التصعيد الدبلوماسي مع باكو في هذا التوقيت يعبّر عن قلق أعمق لدى طهران من اتساع رقعة المواجهة لتشمل جبهات جديدة على أطراف حدودها، خصوصًا في ظل تسارع التنسيق الإسرائيلي الأذربيجاني الذي يتجاوز الصفقات العسكرية إلى ما هو أمني واستخباراتي.


كما يشير إلى أن إيران، برغم خطابها المتشدد، تدرك أن الدخول في مواجهة مباشرة مع أذربيجان سيؤدي إلى تعقيد المشهد الإقليمي أكثر، لا سيما مع احتمالية تفاعل تركيا وإسرائيل في الردود، وهو ما يفسر مطالبتها بتحقيق رسمي بدلًا من اتخاذ موقف حاد. فالدبلوماسية هنا أداة ضغط وليست فقط وسيلة اعتراض