جهود التهدئة في غزة: لماذا تراجعت حماس عن شرطها الرئيسي.. خبراء يجيبون
جهود التهدئة في غزة: لماذا تراجعت حماس عن شرطها الرئيسي.. خبراء يجيبون
في ظل الأوضاع المتأزمة والمستمرّة في قطاع غزة، شهدت الأيام الماضية تحوّلًا مفاجئًا في موقف حركة حماس إزاء الجهود المبذولة للتوصل إلى هدنة مع إسرائيل، فبعد أن كانت الحركة متشددة في شروطها، تخلّت عن أحد شروطها الرئيسية وهو وقف إطلاق النار بشكل دائم، مما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء هذا التراجع. هذه التطورات تأتي في وقتٍ حساسٍ للغاية، حيث يعاني الشعب الفلسطيني من أوضاعٍ إنسانية متدهورة جراء الحرب المستمرة منذ شهور.
*تغيير الموقف*
في مايو الماضي، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" عن مراسلات جرت بين قادة حماس في غزة ونظرائهم في الخارج. حيث دعا بعض القادة العسكريين في غزة إلى قبول مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن وقف إطلاق النار.
وقد أظهرت هذه المراسلات مدى تأثير حجم الدمار في قطاع غزة على مواقف الحركة، مما دفعها إلى تخفيف مطالبها السابقة.
من جهتها، أفادت مصادر أمريكية، بأن واشنطن تدرك وجود انقسامات داخلية في صفوف حماس أدت إلى تراجعها عن بعض شروطها.
حيث أشار مسؤولون إلى أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، قد لا يكون على دراية كاملة بحجم الخسائر أو لا ينقل هذه المعلومات بدقة إلى قادة الحركة في الخارج، هذا الوضع يعكس تحديات كبيرة تواجهها الحركة في تنسيق مواقفها واستراتيجياتها.
*تأثير الدمار*
ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" نقلاً عن مصادر استخباراتية، أن حجم الدمار الذي ألحقته الحرب في قطاع غزة كان له دور كبير في دفع حماس لتخفيف مطالبها.
وقد أكدت مصادر في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب المستمرة جعلت الحركة تعيد النظر في موقفها، سعياً للتخفيف من معاناة السكان.
في هذا السياق، أوضح إبراهيم المدهون، مدير المؤسسة الفلسطينية للإعلام "فيميد"، أن الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة صعبة وحرجة نتيجة حرب الإبادة المستمرة لأكثر من تسعة أشهر.
كما أشار إلى الانحياز الواضح للولايات المتحدة لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وأكد أن حركة حماس، أدركت ضرورة المرونة في الرد على المقترحات الدولية في ظل تخلٍ واسع النطاق عن الشعب الفلسطيني وتركه عرضة للموت.
*الاستجابة للمبادرات*
جاء قرار حماس بقبول الرؤية الأمريكية بعد مشاورات مكثفة مع مختلف الفصائل الفلسطينية والأصدقاء والوسطاء. وقد نصح هؤلاء بالموافقة على المقترح الأمريكي، خاصةً في ظل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته وعدم جاهزيتهم لاتخاذ أي قرارات حاسمة بهذا الشأن.
تصريح المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، عن انضمام آلاف المقاتلين الجدد منذ السابع من أكتوبر يعكس بوضوح أن حركة حماس وكتائب القسام لا تواجه نقصًا في عمليات التجنيد، رغم الخسائر والتضحيات الكبيرة.
الوضع العسكري لحركة حماس ما زال قادرًا على الصمود والمواجهة، وما يزيد الضغط الحقيقي عليها هو الوضع الإنساني المتدهور والضغط الهائل على المدنيين.
وفي المقابل تواجه مؤسسات الحكم الإسرائيلية أزمة معقدة تنعكس سلباً على قدرتها على اتخاذ قرارات فعالة، يتجلى ذلك من خلال تضارب التصريحات بين الجيش الإسرائيلي والحكومة وبين نتنياهو وأجهزة الأمن المختلفة. هذا الالتباس يزيد من صعوبة صنع أي قرار ملموس واستمرار الحرب.
*ضغط هائل*
من جانبه، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن تراجع حركة حماس عن شرط وقف إطلاق النار الدائم يعكس تغيرات استراتيجية داخلية وخارجية.
قال د. فهمي، في حديثه لـ"العرب مباشر"، إن التغيير في موقف حماس يعزى إلى عدة عوامل، منها الضغط الهائل الناتج عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة، والانقسامات الداخلية في صفوف الحركة بين القادة الميدانيين والسياسيين.
إضافة إلى ذلك، هناك تأثير للضغوط الدولية والإقليمية، وخاصة من الدول التي تسعى للتهدئة، والوسطاء الذين يعملون على إيجاد حل سياسي للصراع. حماس أدركت أن الاستمرار في فرض شروط صارمة قد يعزلها دوليًا ويزيد من معاناة سكان غزة، مما دفعها إلى تبني موقف أكثر مرونة يتماشى مع الواقع الراهن".