في عهد طالبان.. هل أصبح مستقبل الإعلام في أفغانستان مجهولاً؟
تمارس حركة طالبان قيودا وقمعا علي الصحافة والإعلام
منذ سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية، بات مستقبل البلاد مجهولا وقاتما، ليس فقط للأفراد وإنما أيضا للحقوق والحريات، والمؤسسات، حتى وصل الأمر للإعلام.
ففي مشهد غريب ظهر عناصر طالبان أمس يقفون بكامل سلاحهم وراء مذيع في أحد برامج التلفزيون الحكومي مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الإعلام في أفغانستان.
قلق دولي
وفي ظل ذلك، أعربت عدة هيئات صحفية أفغانية ومنظمات حقوقية دولية عن قلقها فيما يتعلق بمصير الإعلام في أفغانستان، محذرة من أن تجربة الحركة مع الصحافة لا تبعث على الاطمئنان.
ويأتي ذلك في ظل تاريخ طالبان المتطرف، وأنها قبل ٢٠ عامًا، حظرت وسائل الإعلام وحرمت مشاهدة التلفزيون والسينما وكل أشكال الترفيه التي اعتبرتها منافية للأخلاق، باستثناء محطة إذاعية تسمى "صوت الشريعة" التي كانت تعمل على نشر آراء الحركة، والدروس الدينية فقط.
ووصل القمع وقتها إلى أن الأشخاص الذين يشاهدون التلفزيون كان يتم القبض عليهم وتحطيم الجهاز.
اغتيال شخصية إعلامية
وبمطلع الشهر الجاري، اغتالت طالبان رئيس قسم الإعلام التابع للحكومة في كابول، داوا خان مينابال.
وأعلنت طالبان مسؤوليتها عن قتله إذ أرسل الناطق باسمها ذبيح الله مجاهد رسالة إلى وسائل الإعلام جاء فيها أن مينابال "قُتل في هجوم خاص نفّذه المجاهدون".
عهد جديد
وبتولي طالبان الحكم، سيشهد الإعلام الأفغاني عهدا جديدا، وفقا لما يتوقعه نشطاء الإعلام الذين يأملون أن تكون النظرة قد تغيرت بعد 20 عاما، مع تأكيدها على عدم معارضتها لعمل وسائل الإعلام وحرية الصحافة، مع شروط تغيير البوصلة، وفقا لذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان.
وقال متحدث طالبان، في تصريحات صحفية: إن الحركة لا تعارض "العمل الحر لوسائل الإعلام واستمرار الأنشطة الإعلامية"، داعيا الصحفّيين بإجراء تغييرات على المحتوى الذي يقدمونه، بأن يكون "وفق الشريعة الإسلامية"، على حد تعبيره.
إغلاق وسائل الإعلام
وقبل أيام، كشف مركز "ني" الراعي الإعلامي لحرية وسائل الإعلام الأفغانية، عن إغلاق 52 وسيلة إعلامية من بينها محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف مطبوعة، موضحا أنه "مع سيطرة حركة طالبان الخميس الماضي على ولاية هرات الواقعة شمال غربي أفغانستان، وثالث أكبر مدينة في البلاد، تم إغلاق 20 محطة تلفزيونية و22 إذاعية و10 منافذ إعلامية مطبوعة، وليس هناك أي احتمال واضح لاستئناف أنشطتها".
وأضاف التقرير أن حرية التعبير ونمو وسائل الإعلام، التي تعد أحد أعظم إنجازات أفغانستان في العقدين الماضيين، باتت في "خطر شديد" مع هيمنة جماعة طالبان على البلاد ووصولها إلى السلطة، حيث توقف الإعلاميون المحليون عن العمل خوفا من هجوم طالبان، وفي الوقت الحالي، لا توجد آفاق أمام وسائل الإعلام في الولاية لمواصلة أنشطتها، والمسؤولون الإعلاميون متشككون بشأن المستقبل".
كما لم تستكمل بعض الناشطات في وسائل الإعلام عملهن، ولجأ العديد من النشطاء والإعلاميين إلى الملاذات الآمنة، ما جعل "النشاط الإعلامي متوقفًا إلى أجل غير مسمى" خوفا من هجوم طالبان.
فرار الصحفيين
وجراء تلك الأوضاع، هرب عدد كبير من الصحافيين بين عشرات آلاف الأشخاص وحاول آخرون بعد استحواذ طالبان على السلطة الفرار، خوفا من عمليات انتقامية عنيفة من قبل المسلحين.
وسبق أن وردت أنباء عن تعليمات وجهتها حركة طالبان لوسائل الإعلام المحلية الأفغانية أو العاملة داخل أفغانستان، بمنع بث أي مواد موسيقية أو أخرى تُسمع فيها أصوات أنثوية.
مستقبل إعلام أفغانستان
ومن ناحيته، أكد الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، أن طالبان تكره الإعلام المُنفتح، وتزدري حق النساء في العمل كصحافيات بطبيعة الحال، لكنها من المتوقع في نسختها البراغماتية الحالية أن تظهر قدرًا من المرونة مع المجال الإعلامي، وفق ما تسمح لها قدراتها على تأويل الأحكام الشرعية، وموازنة الضغوط الأممية.
وأضاف عبدالعزيز، في رأيه بشأن مستقبل الإعلام الأفغاني، أنه عندما تفرغ الحركة من خطة التمكين والاستقرار في الحكم، فإنها لن تتباطأ أبداً في فرض رؤيتها الصارمة على القطاع.
وتابع أنه سيكون وجه الحركة البراغماتي الجديد متصدرا المشهد في التعامل مع الإعلام، ورغم أن الانتهاكات بحق وسائل الإعلام والصحافيين، خصوصاً النساء منهم، ستستمر، فإن ذلك لن يجري بصورة منهجية كما حدث سابقا.
وأشار إلى أنه ستتم تغطيته بتصريحات وتصرفات طالبانية تريد الإيحاء بأن الأوضاع لن تكون بالغة السوء، وأن المجال الإعلامي سيكون حرا، وأن النساء سيجدن الفرص للعمل فيه.
ولفت إلى عدة دلائل على ذلك الاتجاه، منها مقتل المسؤول الإعلامي وتوقف 35 وسيلة إعلام عن العمل، وأحكمت الحركة سيطرتها على أكثر من ست وسائل إعلام نشطة، وتم تغيير البرمجة في تقنية وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، التي باتت تركز على بث تلاوة القرآن الكريم، وتُمعن في استضافة قيادات الحركة والإشادة بهم، فيما تقلل إلى أقصى درجة ممكنة من مواد الترفيه والموسيقى، تجنبا لاستفزاز طالبان.