رايات التضامن ترفرف من تونس إلى رفح.. ملحمة برية لكسر الحصار عن غزة
رايات التضامن ترفرف من تونس إلى رفح.. ملحمة برية لكسر الحصار عن غزة

في مشهد يعكس التلاحم الشعبي العابر للحدود، انطلقت من تونس قافلة برية ضخمة باتجاه قطاع غزة، حاملةً معها رسالة تضامن صادقة وأملاً بكسر الحصار الذي طال أمده على أكثر من مليوني فلسطيني، قافلة "الصمود"، هي أكبر تحرك شعبي من المغرب العربي بهذا الحجم منذ سنوات، وتضم أكثر من 1700 مشارك من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
بمواكبة ميدانية لافتة وتعبئة شعبية في مختلف المدن التي مرّت بها، بلغت القافلة معبر رأس الجدير على الحدود التونسية-الليبية، حيث اختتمت المرحلة الأولى من رحلتها، استعدادًا للانطلاق نحو الأراضي المصرية عبر ليبيا، لا تحمل القافلة فقط المؤن أو الدعم الرمزي، بل تنقل في طياتها رسالة سياسية ومدنية، مفادها أن شعوب المغرب العربي لا تزال ترى في فلسطين بوصلة نضالها الأخلاقي.
*قافلة الصمود*
انطلقت صباح الاثنين، من تونس العاصمة قافلة ضخمة من السيارات والحافلات باتجاه معبر رفح على الحدود المصرية مع غزة، في محاولة جديدة لكسر الحصار المستمر على القطاع.
وتُعدّ هذه القافلة، المعروفة باسم "قافلة الصمود"، جزءًا من حملة دولية أوسع تحمل اسم "المسيرة العالمية إلى غزة" (Global March to Gaza)، وتضم نشطاء من 32 دولة، لكنها هذه المرة تميزت بكونها مغاربية الطابع، في مبادرة تقودها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، مقرها تونس.
وتكوّنت القافلة من أكثر من 100 سيارة و18 حافلة، محمّلة بنشطاء ومناصرين للقضية الفلسطينية، من بينهم 140 جزائريًا، بالإضافة إلى مشاركين من المغرب وموريتانيا، علاوة على ما يزيد عن 1500 تونسي.
وخلال عبورها المدن التونسية مثل: سوسة وصفاقس وحسي عمر وبنقردان، حظيت القافلة بحفاوة شعبية واستقبال جماهيري يعكس حجم الالتفاف الشعبي حول القضية الفلسطينية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلدان المغاربية.
*صعوبة الرحلة*
ووفقًا للمتحدث باسم القافلة وعضو تنسيقية العمل من أجل فلسطين، وائل نوار، فقد تم التنسيق مع السلطات الليبية عبر شبكات من المنظمات المدنية والشخصيات الفاعلة، بهدف تأمين الطريق حتى الحدود المصرية.
ومن المقرر أن تمر القافلة بعد رأس الجدير إلى الداخل الليبي، ثم تتوجه نحو معبر السلوم المصري، وصولًا إلى القاهرة، قبل محاولة العبور إلى غزة من معبر رفح.
وأكد " نوار" أن المرحلة الأولى من الرحلة قد اكتملت بنجاح دون أي عراقيل تُذكر على الجانب التونسي، مشيرًا إلى تفاؤل المنظمين بشأن تعاون السلطات الليبية والمصرية مع أهداف القافلة.
وقال: إن "المشاركين يدركون صعوبة الرحلة، لكنهم مصرّون على الوصول إلى غزة، ولو عبر الطرق الوعرة سياسيًا ولوجستيًا".
في المقابل، كشف صلاح الدين المصري، أحد منسقي القافلة، خلال مؤتمر صحفي عُقد في مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، أن القافلة تعكس "وحدة الشعوب المغاربية في موقفها من الحصار الإسرائيلي الجائر"، مضيفًا أن عدد من سجلوا للمشاركة تجاوز عشرة آلاف شخص، لكن محدودية الإمكانيات اللوجستية جعلت القائمين يضطرون للاكتفاء بـ1700 مشارك فقط.
ولم يكن التحرك البري وحده هو ما لفت الأنظار هذا الأسبوع، بل تزامن مع إعلان اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، أن السفينة "مادلين"، التابعة لها، أصبحت على مسافة قريبة من مياه القطاع، رغم تعرّضها لتحليق مستمر من طائرات مسيّرة يُعتقد أنها إسرائيلية، وكتب ناشطون على متن السفينة عبر فيسبوك: "نُبحر رغم التهديدات، حاملين رسالة العالم إلى غزة: أنتم لستم وحدكم".
*السياق الإقليمي والسياسي*
تأتي هذه التحركات في لحظة سياسية حساسة، حيث يشهد الإقليم العربي احتقانًا متزايدًا بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وانقسامات حادة في المواقف الرسمية بين مؤيدٍ ومتحفظٍ على خطوات كسر الحصار.
وقد تعني هذه القافلة، إن قُدّر لها الوصول إلى معبر رفح، إحياءً لمسارات التضامن المدني التي انقطعت إلى حد كبير بعد انتكاسة "أسطول الحرية" في 2010، وما تلاها من قيود أمنية على العمل التضامني العابر للحدود.
كما تشكل القافلة تحديًا للأنظمة السياسية في المنطقة، التي تجد نفسها أمام ضغط شعبي متزايد، سواء في الشارع أو عبر مواقع التواصل، للمطالبة بإجراءات أكثر جرأة لكسر الحصار على غزة.
*رسائل متعددة الاتجاهات*
من جانبهم يرى مراقبون، أن رسالة القافلة لا تنحصر في بعد إنساني أو إغاثي، بل تحمل طابعًا رمزيًا عالي التأثير، إذ تضع مجددًا الحصار في صدارة المشهد الإعلامي والسياسي، وتذكّر بأن المأساة الفلسطينية لما تزال جرحًا نازفًا في ضمير الأمة.
كما أن خروج القافلة من المغرب العربي يبعث برسالة واضحة إلى العواصم العربية والغربية مفادها أن فلسطين ما تزال تحظى بمكانة مركزية في الوعي الجمعي للشعوب.
من جانبه، يرى د. طارق فهمي، أن قافلة "الصمود" تعبّر عن تحوّل مهم في أنماط الدعم الشعبي العربي للقضية الفلسطينية، مشيرًا أنها "تعكس مزاجًا عامًا لدى الشعوب المغاربية، خصوصًا في ظل شعور بالإحباط من المواقف الرسمية التي لم ترتقِ لمستوى الفظائع المرتكبة في غزة".
وتابع في حديثه لـ"العرب مباشر": أن ما يميز هذه القافلة ليس فقط عدد المشاركين أو تنوعهم الجغرافي، بل توقيتها أيضًا، إذ تأتي في لحظة مفصلية يزداد فيها الحصار شراسة، بينما تتآكل منظومة الردع السياسي والدبلوماسي العربي.
ويحذر فهمي من المبالغة في الرهان على التأثير السياسي المباشر لمثل هذه القوافل، "لكنها أدوات ضغط رمزية بالغة الأهمية، خاصة إذا ترافقت مع حراك دولي أو مبادرات قانونية ضد الاحتلال"، كما يشير أن وصول القافلة إلى معبر رفح أو حتى اقترابها من الحدود سيكون اختبارًا صعبًا للسلطات المصرية، التي تسعى للموازنة بين اعتبارات الأمن القومي ودورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية.
ويختم فهمي بالتأكيد على أن هذه القافلة تمثل رسالة عابرة للأنظمة: "فلسطين ما تزال حية في الوعي العربي، ولن يفلح التجاهل أو التطبيع في طمسها من وجدان الشعوب".