تهجير ناعم على وقع المتفجرات.. خان يونس بين فكي الخطة الإسرائيلية

تهجير ناعم على وقع المتفجرات.. خان يونس بين فكي الخطة الإسرائيلية

تهجير ناعم على وقع المتفجرات.. خان يونس بين فكي الخطة الإسرائيلية
حرب غزة

في الجنوب المحاصر من قطاع غزة، تتكرر مشاهد الدمار والنزوح، ولكن هذه المرة ليس في رفح، بل في خان يونس، المدينة التي صمدت أمام جولات عدة من القصف والاقتحام، تجد نفسها الآن هدفًا لما يبدو أنه تطبيق صارم لخطة تهجير قسري مموّهة بشعارات "الإخلاء الأمني" ومحاربة البنى التحتية المسلحة، ما بين الخرائط التي ينشرها الجيش الإسرائيلي لإرشاد السكان إلى النزوح، والتفجيرات الممنهجة التي تطال المنازل والشوارع، تبرز معالم سياسة جديدة – قديمة، تسعى إلى إعادة رسم الخريطة السكانية للقطاع بالقوة. 

وبينما يعلن جيش الاحتلال عن اكتشاف أنفاق وتفخيخ منازل، تتحدث تقارير أممية عن تدمير أكثر من 88% من البنى التحتية، في مؤشر خطير على نوايا أبعد من المواجهة العسكرية، خان يونس، كما كانت رفح، تقف اليوم عند مفترق التهجير الكامل، في معركة يبدو أنها لم تعد تستهدف فقط مقاتلي حماس، بل هوية الأرض وسكانها.

*تهجير قسري*


في تصعيد عسكري جديد، وسّع الجيش الإسرائيلي نطاق عملياته في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ليتحوّل الحصار الجزئي الذي شهدته المدينة في الأشهر الماضية إلى اجتياح واسع النطاق، يرافقه دمار منهجي وموجات تهجير قسري.

ووفق مصادر ميدانية وشهادات محلية، فقد باتت القوات الإسرائيلية تسيطر على معظم المناطق الواقعة شرق طريق صلاح الدين، بينما خلت أحياء وسط وغرب المدينة من السكان بعد أن تلقوا أوامر إخلاء مباشرة عبر منشورات وخرائط نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

ما يحدث في خان يونس اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى في رفح، حيث تحولت المدينة خلال أسابيع إلى كتل من الركام، السيناريو ذاته يتكرر: قصف مكثف، تفجير مبانٍ بحجة تفخيخها، عمليات مسح ميدانية، وإعادة توجيه السكان نحو "المواصي"، وهي منطقة ساحلية سبق أن وُضعت تحت الحصار، وشهدت في الأسابيع الأخيرة قصفًا متكررًا أسفر عن عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.

*إبادة المدن*


وفي بيان رسمي، زعم جيش الاحتلال أنه فجّر عشرات المنازل التي "فُخختها حركة حماس بآلاف الكيلوغرامات من المتفجرات".

كما أشار إلى "تحييد" عشرات المسلحين، وتدمير أكثر من 200 منشأة وصفها بـ"الإرهابية"، من ضمنها فتحات أنفاق ومخازن أسلحة ومراكز قيادة، ورغم غياب رد مباشر من حركة حماس حتى لحظة إعداد التقرير، فإن ناشطين في القطاع يرون في هذه التصريحات محاولة لتبرير تدمير شامل لا يفرّق بين الأهداف العسكرية والمدنية.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وصف ما يجري بسياسة "إبادة المدن"، مشيرًا أن الجيش الإسرائيلي يستخدم أدوات تدميرية غير متناسبة بهدف واضح يتمثل في "فرض تهجير قسري شامل على السكان"، وهو ما يتفق مع بيانات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أكدت أن نسبة الدمار الكلي أو الجزئي في القطاع بلغت نحو 88%.

*الخطة الأشمل*


من جهته، صادق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، على خطط عملياتية جديدة ضمن ما تعرف بـ"عملية عربات جدعون"، والتي أُطلقت في 8 مايو الماضي، العملية، بحسب الإعلام العبري، تهدف إلى "تحقيق سيطرة دائمة على المناطق التي يدخلها الجيش"، وهو ما يثير مخاوف من نية إسرائيل فرض أمر واقع ديموغرافي وجغرافي جديد في غزة، خاصة مع استمرار الحديث عن إعادة هندسة القطاع بما يتفق مع "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته السابقة وأعاد إحياءها في ولايته الحالية.

ولا تنفصل التحركات الإسرائيلية في خان يونس عن هذه الخطة الأشمل، فالإجلاء القسري ليس عشوائيًا، بل يتم باتجاه مناطق بعينها يُعتقد أنها ستحوَّل إلى "جيوب سكانية" يتم تطويقها أمنيًا لاحقًا.

وقد وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية نمطًا متكررًا من استهداف المناطق التي يُطلب من السكان اللجوء إليها؛مما يعزز فرضية أن الهدف ليس تأمين المدنيين، بل دفعهم تدريجيًا نحو سيناريو التهجير خارج حدود غزة.

*خطة تهجير ممنهجة لإفراغ غزة*


في هذا السياق، تبدو تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "أهداف الحرب" شديدة الوضوح. إذ أكد في أكثر من مناسبة أن الحرب لن تتوقف قبل تحقيق "تغيير جذري في الواقع الديموغرافي والسياسي في غزة".

وإذا كان هذا التغيير يعني القضاء على حماس، فإن ما يجري على الأرض يشير إلى ما هو أوسع: محو الجغرافيا، واقتلاع السكان، وتغيير قواعد اللعبة برمتها.

من جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: إن "خطة التهجير التي تقوم بها إسرائيل هي خطة ممنهجة، وما جرى في رفح من إخلاء تام وتسويتها بالأرض يُعاد تنفيذه الآن في خان يونس".


وأوضح في تصريحات لـ"العرب مباشر": الرسالة ليست فقط إلى خان يونس، بل تتعداها إلى توسيع مناطق البافر زون (المناطق العازلة)، والوصول إلى احتلال ما بين 65 إلى 70% من مساحة قطاع غزة، وبالتالي، القضية مرتبطة بمخطط الإجرام الإسرائيلي في هذا التوقيت، والذي ينطلق من مناطق التماثل الاستراتيجية، أي المناطق المكتظة بالسكان، تمهيدًا لإخلائها وتطهيرها، ثم إقامة ما يعرف بالمناطق المعقمة في عمق القطاع".

وأضاف فهمي: "إسرائيل تسعى لاحتلال مساحات كبيرة من غزة تحسبًا لشروط التفاوض لاحقًا، وكما هو معلوم، فإن إسرائيل أنشأت ثلاثة ممرات رئيسية في هذا الإطار: ممر ديفيد، ممر يُعرف باسم مراج، والممر الثالث وهو متساليم، بالإضافة إلى ممر صلاح الدين التاريخي، تقسيم هذه الممرات سيسمح بإجراء هجرة طوعية وجبرية لسكان القطاع إلى الخارج، بما يؤدي إلى تنفيذ هذا المخطط الإجرامي بصورة أو بأخرى.

ومع استمرار العمليات العسكرية، وغياب أي أفق لحل سياسي أو تهدئة دائمة، يبقى سكان خان يونس – كما سكان رفح – بين خيارين كلاهما مر: البقاء تحت القصف أو الهروب نحو مناطق لا تضمن لهم الأمان ولا الكرامة.