قمة الدرعية.. هل تنجح الوساطة السعودية في إذابة الجليد بين واشنطن وموسكو؟
قمة الدرعية.. هل تنجح الوساطة السعودية في إذابة الجليد بين واشنطن وموسكو؟

في خطوة لافتة على الساحة الدبلوماسية الدولية، استضافت السعودية محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا في قصر الدرعية بالعاصمة الرياض، ضمن مساعٍ تهدف إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين وتعزيز الأمن والاستقرار العالمي.
اللقاء، الذي وصفته وزارة الخارجية الأميركية بـ"الخطوة المهمة إلى الأمام"، جاء في وقت يشهد العالم تحولات جيوسياسية حادة، وسط تداعيات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو.
ملفات رئيسية
انعقدت المحادثات في قصر الدرعية بحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ومستشار الأمن الوطني مساعد العيبان، إلى جانب وفود أميركية وروسية بارزة.
من الجانب الأميركي، حضر وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
أما الجانب الروسي، فتمثّل بوزير الخارجية سيرغي لافروف، والمستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف.
تمحورت المناقشات حول ثلاثة ملفات رئيسية: تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، بحث سبل التوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة الأوكرانية، ومناقشة إعادة فتح القنوات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن عبر إعادة الموظفين الدبلوماسيين إلى السفارات.
اتفاق على تعزيز التعاون الاقتصادي
كشف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن اتفاق الجانبين على تشكيل فريق مشترك عالي المستوى لمناقشة فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري بين واشنطن وموسكو، رغم استمرار التوترات السياسية بين البلدين.
وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، أن اللقاء "يضع الأساس للتعاون المستقبلي في القضايا الجيوسياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك".
على الجانب الروسي، أشار المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، أن المحادثات كانت إيجابية واستمرت لأكثر من أربع ساعات ونصف، مع التركيز على سبل إعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
التحضير لقمة رئاسية محتملة بين بوتين وترامب
بحسب مصادر دبلوماسية روسية، ناقش الطرفان إمكانية عقد قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الأسابيع المقبلة.
إلا أن أوشاكوف أوضح، أنه "لم يتم تحديد موعد دقيق للقمة حتى الآن"، مشيراً إلى أن هناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى مزيد من المشاورات قبل إتمام الترتيبات النهائية.
كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، وصف الرئيس ترامب وفريقه بأنهم "حلّالون للمشاكل"، مضيفًا أن الشركات الأميركية تكبدت خسائر فادحة قُدرت بحوالي 300 مليار دولار بسبب العقوبات المفروضة على روسيا.
وأكد أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في هذه السياسات لضمان استقرار الأسواق العالمية.
خطوة نحو استقرار أوسع
من جانبه، يرى الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن المحادثات الأميركية - الروسية في الدرعية تمثل تحولًا لافتًا في مسار العلاقات بين البلدين، إذ تعكس الرغبة في إعادة ضبط الديناميكيات السياسية رغم التوترات القائمة.
وأوضح المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن السعودية، من خلال استضافتها لهذا الاجتماع، تؤكد دورها كلاعب دولي مؤثر قادر على التوسط في نزاعات معقدة.
وأشار أستاذ العلوم السياسية، أن نجاح هذه المحادثات يعتمد على مدى التزام الطرفين بالاتفاقيات المبدئية التي تم التوصل إليها، خاصة فيما يتعلق بإعادة الدبلوماسيين والتعاون الاقتصادي.
وأضاف: أن الوضع في أوكرانيا يمثل نقطة خلاف جوهرية بين موسكو وواشنطن، وأي تقارب في هذا الملف قد يكون خطوة مهمة نحو استقرار أوسع.
كما شدد المنجي، على أن المصالح الاقتصادية تشكل عاملًا حاسمًا في هذه المفاوضات، لا سيما في ظل الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها الشركات الأميركية بسبب العقوبات على روسيا.
واختتم بقوله: "إذا استمرت هذه الحوارات وتطورت إلى تفاهمات أعمق، فقد نشهد مرحلة جديدة من التعاون المشروط بين الطرفين، وهو ما قد ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد العالمي والأمن الإقليمي".
حجر العثرة
من جهته، يقول عاطف سعدي، المتخصص في الشؤون الأمريكية: إن الاجتماع في الدرعية خطوة إيجابية، لكنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق اختراق حقيقي في العلاقات الأميركية - الروسية.
وأوضح سعداوي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الاتفاقيات المبدئية مثل تعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة الدبلوماسيين تعد إشارات جيدة، لكنها تظل رمزية ما لم تتبعها خطوات عملية ملموسة.
وأشار الخبير في الشؤون الأمريكية، أن العامل الأهم سيكون كيفية تعامل الطرفين مع ملف أوكرانيا، حيث تشكل هذه الأزمة حجر العثرة الأساسي في أي تقارب بين موسكو وواشنطن، مضيفًا: ما زالت هناك فجوة كبيرة في المصالح، ولكن الحوار المستمر قد يقلل من حدة التوتر على المدى الطويل.