غزة الجائعة.. سوء تغذية يفتك بالأطفال وسط حصار خانق

غزة الجائعة.. سوء تغذية يفتك بالأطفال وسط حصار خانق

غزة الجائعة.. سوء تغذية يفتك بالأطفال وسط حصار خانق
حرب غزة

بين أنقاض المستشفيات وندرة الغذاء، يكافح أطفال غزة من أجل البقاء، فمع الحصار الإسرائيلي الخانق الذي دخل شهره الخامس، لم تعد المشكلة تقتصر على نقص الإمدادات أو انهيار النظام الصحي فحسب، بل باتت المجاعة واقعًا يوميًا يعيشه السكان، خاصة النساء والأطفال، في عيادات "أطباء بلا حدود" وأروقة "الأونروا"، تتراكم أرقام مأساوية لحالات سوء التغذية الحاد، بينما تصرخ بيانات المنظمات الدولية بلهجة لم تعد قابلة للتأجيل: "غزة على حافة كارثة إنسانية شاملة"، لكن وسط النداءات المتكررة، يبدو أن الآذان صمّاء، والمعابر موصدة، والطعام والدواء رهينة قرارات سياسية لا تعبأ بأجساد صغيرة تتآكل بصمت، في هذه الأرض المحاصرة، حيث الموت البطيء أصبح مألوفًا، يبقى السؤال معلقًا في سماء غزة: متى تتوقف هذه المجاعة المتعمدة؟

*تحذيرات دولية*


تحذر منظمات الإغاثة الدولية من تسارع خطير في معدلات سوء التغذية بين سكان قطاع غزة، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ مارس الماضي، والذي أوقف دخول معظم المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع.
في تقرير حديث صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أكدت الوكالة، أن طواقمها الصحية العاملة في غزة رصدت تصاعدًا غير مسبوق في حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل.


ووصفت الأوضاع داخل العيادات والمراكز الصحية التابعة لها بأنها "حرجة للغاية"، في ظل نفاد مخزونات الأدوية والمكملات الغذائية الضرورية للعلاج.


وقالت الأونروا: إن "القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات زادت الوضع سوءًا؛ مما أدى إلى نقص فادح في الحليب والمغذيات الأساسية"، مطالبة بتحرك دولي فوري لفتح المعابر والسماح بتدفق الإمدادات دون شروط سياسية مسبقة.

*أرقام صادمة*


وفيما تحاول الوكالة الأممية مواصلة تقديم الخدمات بوسائل بدائية، كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" عن أرقام صادمة لحالات سوء التغذية تم توثيقها ميدانيًا خلال الأسابيع الماضية.


فقد أفاد بيان صادر عن المنظمة أن مركزها في مدينة غزة سجل تضاعف عدد المصابين بسوء التغذية من 293 حالة في مايو الماضي إلى 983 حالة بحلول مطلع يوليو الجاري، أي ما يقارب أربعة أضعاف في أقل من شهرين.

اللافت في التقرير، أن 326 من بين هذه الحالات هم أطفال تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر إلى عامين فقط، كما يتلقى أكثر من 700 من النساء الحوامل والمرضعات العلاج في مركزين طبيين بمدينة غزة ومنطقة المواصي الساحلية.


وتعليقًا على الأرقام، قال محمد أبو مغيصيب، نائب المنسق الطبي للمنظمة في غزة: "لم نشهد من قبل هذا الحجم من حالات سوء التغذية في غزة، هذا ليس ظرفًا طبيعيًا، بل سياسة تجويع متعمدة. يمكن إنهاء هذه الكارثة فورًا إذا سمحت السلطات الإسرائيلية بإدخال الغذاء والدواء".


تصريحات أبو مغيصيب تعكس الاتهامات المتزايدة التي توجّه إلى إسرائيل باستخدام الحصار كأداة ضغط جماعي، وهي سياسة تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، وفق ما تؤكده منظمات حقوق الإنسان.

*معاناة لا تنتهي*


على الجانب الآخر، ما تزال العمليات العسكرية المتقطعة تضيف طبقة أخرى من المأساة، إذ تُجبر آلاف العائلات على النزوح نحو مناطق لا تتوفر فيها أي بنية تحتية؛ مما يعمق مأساة الأطفال الذين باتوا ضحايا القصف والجوع معًا.


وتشير تقديرات الأمم المتحدة، أن أكثر من نصف سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يقترب النظام الصحي من الانهيار الكامل.


في هذا السياق، يقول أطباء ميدانيون: إن الكثير من الأطفال يصلون إلى العيادات وهم في حالة إعياء شديد، مع أعراض تدل على نقص حاد في البروتين والفيتامينات. 


ويضطر الطاقم الطبي أحيانًا إلى استخدام مكملات منتهية الصلاحية أو بدائل غذائية محلية غير كافية، بسبب ندرة الموارد وعدم توفر خيارات.


الأزمة أيضًا تركت أثرًا نفسيًا على الأطفال، إذ تشير تقارير إلى ارتفاع معدلات التوتر والقلق وحتى أعراض الاكتئاب بين الصغار الذين شهدوا فقدان إخوتهم أو معاناة أمهاتهم من الجوع.

*عقاب جماعي*


من جانبه، يصف المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ماهر صافي، المحلل السياسي الفلسطيني، أن ما يجري في غزة بأنه "انزلاق متعمد نحو سياسة التجويع الجماعي"، مؤكدًا أن الأزمة الغذائية الراهنة لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الأوسع.


وفي حديث خاص لـ"العرب مباشر" أكد صافي، أن "إسرائيل لا تستخدم الحصار فقط كوسيلة ضغط عسكري أو أمني، بل كأداة ممنهجة لإخضاع السكان المدنيين، بهدف تقويض البيئة المجتمعية التي تحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية".


ويضيف: "منع الغذاء والدواء عن مليونَي إنسان لم يعد عرضيًا أو ناتجًا عن ظروف الحرب، بل بات استراتيجية مركبة قائمة على إطالة أمد المعاناة وتحويل الاحتياجات الأساسية إلى ورقة مساومة".


ويحذر صافي من أن استمرار المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الكارثة بوصفها أزمة إنسانية فقط، يغفل عمق البعد السياسي للجريمة"، مشيرًا أن التجويع في غزة ليس نتيجة طبيعية للحرب، بل شكل من أشكال العقوبة الجماعية المحرمة دوليًا.


كما شدد على أن رفع الحصار وفتح المعابر بشكل دائم هو المدخل الوحيد لمعالجة الأزمة، أما إرسال شاحنات محدودة تحت رقابة مشددة، فلن يوقف المجاعة ولن يعيد الحياة إلى الأطفال الذين فقدوا بالفعل فرص النمو والتعافي.