التحالف المظلم.. كيف يستخدم الحوثيون القاعدة لضرب المناطق المحررة؟
التحالف المظلم.. كيف يستخدم الحوثيون القاعدة لضرب المناطق المحررة؟

في جنوب اليمن، لا تتوقف التهديدات عند حدود الجغرافيا أو الانقسامات السياسية، بل تتشابك ضمن تحالفات قاتمة تدفع ثمنها المناطق المحررة، دمًا ودمارًا.
فبينما تستعر الاشتباكات في شمال البلاد، برز مشهد ميداني خطير في المحافظات الجنوبية، حيث أعاد تنظيم القاعدة الإرهابي تنشيط هجماته، في تناغم لافت مع تحركات مليشيات الحوثي، مستغلًا هشاشة الوضع الأمني والتشتت السياسي، ما جرى في أبين وشبوة خلال الأيام الماضية، من كمائن وعبوات ناسفة تستهدف قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، ليس مجرد تصعيد تقليدي، بل يبدو كجزء من استراتيجية أعمق لإعادة رسم خارطة النفوذ في الجنوب، وتصفية حسابات داخل التنظيم الإرهابي ذاته.
ومن خلف الدخان الكثيف للانفجارات، يبرز تنسيق غير معلن بين الحوثيين والقاعدة، في مشهد يعيد للأذهان مراحل سابقة من التحالفات الرمادية التي لطالما شكلت كابوسًا لأمن اليمن واستقراره. فهل نحن أمام جولة جديدة من الفوضى المخطط لها في الجنوب؟
*عودة الإرهاب*
على وقع توتر داخلي غير مسبوق داخل تنظيم القاعدة، ومطاردة دؤوبة من الطائرات الأمريكية المسيرة، عاد التنظيم الإرهابي إلى الواجهة في جنوب اليمن، في محاولة لتثبيت حضوره واستعادة زمام المبادرة.
ووفق مصادر ميدانية وأمنية مطلعة، فإن هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ، بل تم تنسيقه مع مليشيات الحوثي التي تسعى إلى زعزعة استقرار المحافظات المحررة، وخصوصًا شبوة وأبين.
خلال اليومين الماضيين، نفذ تنظيم القاعدة هجمتين داميتين: الأولى استهدفت دورية تابعة للواء الثالث دعم وإسناد في بلدة "أورمة" شرق مديرية مودية بأبين، أسفرت عن مقتل جندي وجرح آخر.
أما الثانية، فوقعت في بلدة "المصينعة" بمديرية الصعيد في شبوة، وراح ضحيتها الجندي عبدربه المصعبي، وأصيب رفيقه بجراح خطيرة.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجومين، في وقت توعدت فيه قوات دفاع شبوة بالرد القاسي، مؤكدة أنها لن تتهاون مع من وصفتهم بـ"عناصر الشر والظلام".
*تنسيق حوثي*
اللافت في هذا التصعيد، وفقًا لمصادر يمنية، هو التزامن بين الهجمات الميدانية وتصاعد الحملة الداخلية التي يقودها زعيم التنظيم، سعد العولقي، لتصفية معارضيه ومواجهة الاختراقات الأمنية المتنامية.
وقد ظهر ذلك جليًا في نشر التنظيم لاعترافات مصورة لقيادي يدعى "أكرم الصنعاني"، اتُّهِم بالخيانة بعد أن جرى استدراجه واعتقاله في وادي عبيدة بمحافظة مأرب.
ويرى مراقبون، أن العولقي يسعى من خلال التصعيد العسكري في الجنوب إلى صرف الأنظار عن أزمته التنظيمية، وإعادة ترميم صورة التنظيم في أعين أنصاره بعد الضربات الأمريكية الأخيرة التي أودت بحياة عشرات القيادات، من بينهم أربعة من الصف الأول.
فبين يناير ومايو من هذا العام، نفذ تنظيم القاعدة سبع عمليات نوعية شملت كمائن وهجمات بالعبوات والطائرات المسيرة، تركز معظمها في محافظتي شبوة وأبين، ما يعكس إصرار التنظيم على اختراق الجنوب.
ويرى مراقبون، أن الدور الذي تلعبه مليشيات الحوثي، ليس فقط في التحريض بل في التنسيق العملياتي، كما تشير تقارير استخبارية، أن الدائرة 30 التابعة لجهاز الأمن والمخابرات الحوثي، هي الجهة التي توجه وتغذي هذه الهجمات في الجنوب.
ويتضح أن الهدف ليس فقط الإضرار بقوات المجلس الانتقالي، بل خلط الأوراق الأمنية والسياسية في وقت تشهد فيه البلاد مفاوضات غير معلنة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة برعاية إقليمية.
*تحالف أمني خفي*
ويرجح محللون، أن العلاقة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة لم تعد علاقة استغلال ظرفي، بل باتت أشبه بتحالف أمني خفي، يجمع بين طرفين يبدوان متناقضين ظاهريًا، لكنهما يلتقيان عند نقطة مشتركة: تقويض الاستقرار في المناطق المحررة وفرض واقع جديد يمهد للسيطرة أو الابتزاز السياسي.
في المقابل، تسعى قوات المجلس الانتقالي إلى امتصاص هذه الضربات عبر عمليات تمشيط في المناطق المستهدفة، إلى جانب حملات استخباراتية لشلّ الخلايا النائمة التي يُعتقد أن بعضها يتلقى دعمًا لوجستيًا من جهات تتبع الحوثيين.
وقد تمكنت القوات خلال الأشهر الماضية من إحباط عدة هجمات واعتقال عناصر متورطة، ما يشير أن المواجهة الأمنية في الجنوب ما تزال مفتوحة على كل السيناريوهات.
*ضرب الاستقرار*
من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني باسم الحكيمي، أن تصاعد هجمات تنظيم القاعدة في محافظتي شبوة وأبين ليس مجرد تحرك مستقل للتنظيم الإرهابي، بل يعكس – بحسب تعبيره – "سلوكًا وظيفيًا يخدم أجندة الحوثيين في الجنوب، ويُنفّذ على الأرض عبر أدوات تمّ اختراقها أو التنسيق معها بشكل مباشر".
ويضيف الحكيمي في حديثه لـ"العرب مباشر": أن القاعدة في اليمن تمرّ بمرحلة صراع داخلي وانكشاف ميداني نتيجة الضربات الأميركية الدقيقة، وهو ما دفع قيادتها إلى محاولة إثبات الوجود عبر هجمات موجهة ضد خصوم الحوثيين، مشيرًا أن زعيم تنظيم القاعدة في اليمن يسعى لإثبات نفسه داخل الجماعة وتحصين موقعه، من خلال عمليات تُنفذ بالتزامن مع حملة تطهير داخلية ضد خصومه".
كما حذر الحكيمي من أن "الصمت الحوثي إزاء تلك العمليات، بل واستخدام أدواته الإعلامية لتضخيم خسائر الجنوب، يعكس حالة من التواطؤ، إن لم تكن شراكة تهدف لتطبيق استراتيجية ضرب الاستقرار في المناطق المحررة".
ويختم بالقول: "المجتمع الدولي مطالب اليوم بالنظر إلى هذا التحالف المريب كعامل مهدد لمسار السلام، وليس فقط كملف أمني هامشي في حرب مفتوحة منذ سنوات".