بين طهران وواشنطن.. روسيا تدخل دائرة الضوء في المفاوضات النووية

بين طهران وواشنطن.. روسيا تدخل دائرة الضوء في المفاوضات النووية

بين طهران وواشنطن.. روسيا تدخل دائرة الضوء في المفاوضات النووية
الولايات المتحدة وإيران

في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات الملف النووي الإيراني، تظهر روسيا كلاعب غير متوقع لكنه مؤثر، يتسلل بهدوء إلى عمق المفاوضات بين طهران وواشنطن، ففي حين ينشغل العالم برصد خطوات إيران في تخصيب اليورانيوم، تتحرك موسكو خلف الكواليس، مستفيدة من علاقتها التاريخية بإيران وموقعها الحساس كقوة كبرى تملك شبكة علاقات واسعة، لم تعد المحادثات النووية مجرد شأن ثنائي بين طهران والعواصم الغربية، بل أضحت ساحة تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية لقوى مثل روسيا، التي تجد في هذا الملف فرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وموازنة الهيمنة الأميركية.  

تكشف التقارير، أن موسكو قد تضطلع بمهمتين بالغتي الأهمية، إحداهما تقنية تتعلق بمصير اليورانيوم الإيراني، والأخرى سياسية ذات طابع تحكيمي، ما يضعها في موقع "الضامن والمراقب" في آن، فهل تتحول روسيا إلى حجر زاوية في إعادة إحياء الاتفاق النووي؟ أم أنها تلعب لعبة مزدوجة في صراع النفوذ الإقليمي والدولي؟

*لاعب حاسم*


وسط مناخ دولي يتسم بعدم اليقين، ومع عودة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة، تبرز موسكو كلاعب قد يكون حاسمًا في التوصل إلى تسوية محتملة، بعدما كادت جهود الاتفاق تنهار منذ انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 في فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى.

بحسب ما كشفته صحيفة غارديان البريطانية، فإن روسيا تسعى الآن إلى أن تُسند لها أدوار محورية في ترتيبات الاتفاق الجديد، خاصة في مرحلته التنفيذية الحساسة.

أولى هذه المهام التي تطرحها المقترحات الغربية هي استضافة روسيا لمخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، في حال وافقت طهران على التخلي عنه كجزء من ضمانات تمنع استخدامه لأغراض عسكرية.

وهو سيناريو يلقى دعمًا ضمنيًّا من واشنطن، خصوصًا أن موسكو ترتبط بشبكة تعاون نووي تقني مع إيران، وتمتلك البنية التحتية اللازمة لتأمين هذا النوع من المواد الخطرة، في إطار إشراف دولي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

غير أن هذه الفرضية تواجه عقبة رئيسية تتمثل في رفض طهران لأي حل ينص على إخراج المخزون خارج أراضيها.

إيران، التي باتت أكثر تشككًا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق السابق، تعتبر الاحتفاظ بمخزونها داخل الحدود الوطنية مسألة سيادية، وترى في نقل اليورانيوم إلى الخارج تنازلاً يصعب تكراره دون ضمانات غير قابلة للنقض.

*وسيط ومراقب*


وهنا تظهر المهمة الثانية المحتملة لموسكو، وهي أن تتولى دور الوسيط والمراقب في حال حدوث انتهاك لأي بند من بنود الاتفاق، خصوصًا من الجانب الأميركي. فكرة وجود طرف ثالث ضامن ليست جديدة في الدبلوماسية النووية، لكن وضع روسيا في هذا الموقع يعكس تغيّر موازين الثقة الدولية.

فبينما ما تزال العلاقات الأميركية الروسية متوترة، تجد واشنطن في موسكو شريكًا فاعلًا في ملف إيران، وهو ما يفسر محاولات تفعيل قنوات التعاون غير المباشر، خصوصًا في المجالات الأمنية والطاقة النووية المدنية.

من جانبها، تبدي طهران ترددًا إزاء المقترحات الأميركية، خصوصًا في ظل الشكوك حول نوايا الإدارة الأميركية المقبلة، إذا ما فاز ترامب مجددًا في الانتخابات القادمة. 

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عبّر عن هذا التردد بوضوح، مشيرًا أن سرعة المحادثات تتناقض مع طبيعة الملفات المطروحة، والتي تتطلب توافقات قانونية وفنية معقدة، فضلاً عن أن الثقة بين الطرفين لا تزال ضعيفة للغاية.

*ضمانات أمريكية*


في هذا السياق، يجري التفاوض على نوعية الضمانات التي يمكن أن تقدمها واشنطن. بينما تطالب إيران بضمانات مكتوبة تمر عبر الكونغرس الأميركي، تشير مصادر أميركية إلى صعوبة تمرير أي اتفاق في مجلس يعج بالمؤيدين لإسرائيل، ما يضع المفاوضين أمام معضلة قانونية وسياسية معقدة.

الاجتماعات الأخيرة، التي جرت في روما بوساطة سلطنة عمان، ثم من المرتقب استكمالها في جنيف ومسقط، شهدت ما وُصف بتقدم نسبي. لكنها لم تحسم القضيتين الجوهريتين: مصير مخزون اليورانيوم الإيراني، وطبيعة الضمانات المقدمة لطهران.

 ويراهن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف على إمكانية التوصل لاتفاق خلال 60 يومًا، غير أن مراقبين يرون أن الجدول الزمني يبدو طموحًا أكثر من اللازم، خاصة مع تعقّد التفاصيل التقنية وغياب الثقة المتبادلة.

من ناحية أخرى، تستفيد روسيا من موقعها الجديد في هذا الملف لتعزيز حضورها في التوازنات الإقليمية، وتقديم نفسها كقوة قادرة على ملء الفراغات التي تتركها واشنطن في الشرق الأوسط. ويبدو أن موسكو، رغم صدامها مع الغرب في ملفات أخرى كأوكرانيا، تسعى لاستثمار علاقتها مع إيران كورقة سياسية واقتصادية طويلة الأمد.

ومع تقاطع المصالح الدولية، بات واضحًا أن الاتفاق النووي الإيراني المقبل - إن تحقق - لن يكون مجرد تسوية تقنية، بل تسوية جيوسياسية معقدة ترسم خطوطًا جديدة في معادلة الشرق الأوسط، مع روسيا في موقع "الضامن المشروط" لا "الوسيط البريء".