صمت حزب الله وغارات إسرائيلية مكثفة.. هل اقتربت لحظة الحسم في جنوب لبنان؟
صمت حزب الله وغارات إسرائيلية مكثفة.. هل اقتربت لحظة الحسم في جنوب لبنان؟

في جنوب لبنان، تتكرر مشاهد الدخان المتصاعد من بين ركام المباني والغموض يلفّ أسماء الضحايا، لا بيان رسمي يوضح، ولا اعتراف يُبرر، لكن الطائرات المسيّرة الإسرائيلية تنفذ مهماتها بدقة قاتلة، أحدث هذه الضربات وقع في بلدة الشهابية في قضاء صور، حيث استُهدفت منطقة سكنية، وسقط قتيل على الأقل وعدد من الجرحى، في مشهد يعكس تصعيدًا ميدانيًا متزايدًا منذ بداية عيد الأضحى.
في المقابل، تواصل واشنطن إرسال إشارات مزدوجة: لوْم لفظي لإسرائيل، بلا ضغوط ملموسة، وربط واضح بين انسحاب تل أبيب من الجنوب وتجريد "حزب الله" من سلاحه، وبينما تنأى الدولة اللبنانية عن أي مواجهة مباشرة، ويكتفي "حزب الله" بالصمت المؤقت، تتكشّف مؤشرات تباين حاد في الأولويات، وتتعاظم المخاوف من صيف ساخن قد يحمل ما هو أبعد من غارة عابرة، فهل بات الجنوب اللبناني مجددًا ساحة اختبار بين الحسابات الإسرائيلية والرسائل الأميركية – الإيرانية، أم أن لبنان دخل مرحلة عضّ الأصابع بلا ضوابط دولية حقيقية؟
غارة الشهابية.. ضربة بلا توقيع
في ساعات الظهيرة، دوّت ضربة جوية في الشهابية، بلدة وادعة في قضاء صور جنوب لبنان. لم تكن هذه الغارة الأولى، لكنها جاءت دون سابق إنذار، واستهدفت منطقة سكنية. الروايات المحلية تحدّثت عن شهيد سقط على الفور وجرحى نقلوا إلى المستشفيات، فيما أُحرقت دراجة نارية وجرافة قريبة من الموقع.
الجيش الإسرائيلي، كعادته، لم يُصدر أي بيان رسمي عن طبيعة الهدف أو خلفيات العملية، في حين بقي الصمت سيد الموقف من الجانب اللبناني الرسمي.
اللافت، أن الغارة جاءت بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي تصاعدت وتيرتها منذ مطلع يونيو، وتحديدًا مع حلول عيد الأضحى، حين طالت مناطق مدنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وعين قانا ومحيطها.
تسلسل الضربات، وتزامنها مع مناسبات دينية أو رسائل سياسية، يوحي بمنهجية مدروسة لا مجرد ردود فعل موضعية.
بين التهويل الأميركي والصمت اللبناني
واشنطن، بدورها، لم تخفِ معرفتها المسبقة ببعض الغارات الإسرائيلية، كما تؤكد مصادر لبنانية رسمية، في الحالة الأخيرة، تم إعلام الإدارة الأميركية مسبقًا بعزم تل أبيب استهداف مبانٍ قيل إنها تُستخدم من قبل "حزب الله" لتصنيع الطائرات المسيّرة.
لكن وبعد أن أثبتت الوقائع الميدانية عكس تلك الادعاءات، اكتفت واشنطن بتوجيه "لوم" دبلوماسي لا يرقى لمستوى الإدانة أو الضغط.
هذا التناقض في الموقف الأميركي يعكس تواطؤًا ضمنيًا، أو على الأقل ازدواجية في المعايير. فالبيت الأبيض يربط الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بشروط مسبقة، أبرزها نزع سلاح "حزب الله"، وهو مطلب غير قابل للتحقيق في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية، وصعوبة الدخول في مواجهة مباشرة مع الحزب.
"حزب الله" والصمت التكتيكي
فيما يتصاعد القصف، يلتزم "حزب الله" الصمت، لا بيانات تهديد، ولا ردود فعل عسكرية تُذكر، رغم الخروق المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار.
مصادر حكومية تؤكد أن الحزب متمسك بالخيار الدبلوماسي الذي تقوده الدولة اللبنانية، ويؤجّل أي تحرك إلى حين نضج المعادلة الإقليمية – وتحديدًا نتيجة المفاوضات الأميركية – الإيرانية.
لكن آخرين يرون أن الحزب يتحسس خطورة التصعيد الإسرائيلي، ويُعيد ترتيب أوراقه في ضوء تجربة دعمه لغزة والانكشاف الجوي المتزايد.
عون وسلام.. بين الدولة والسلاح
في هذا السياق، يتمسّك رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام بموقف واضح: لا سلاح خارج الدولة.
الرسالة هذه لا تأتي في إطار المواجهة، بل ضمن حوار حذر يُراد له أن يُقنع "حزب الله" بتسليم تدريجي لمنظومته العسكرية، أو على الأقل تحويلها إلى غطاء استراتيجي للدولة لا إلى بديل عنها.
لكنّ تنفيذ ذلك مشروط بظروف غير متوفرة حاليًا، وعلى رأسها انسحاب إسرائيل الكامل وتفعيل المجتمع الدولي للقرار 1701.
أين لجنة الرقابة؟
وسط هذا السجال، تغيب لجنة الرقابة الدولية المشرفة على تنفيذ وقف إطلاق النار، قيادة الجيش اللبناني، في بيان نادر، لوّحت بعدم التعاون مع اللجنة إذا لم تفعّل مهامها في وجه الخروقات الإسرائيلية.
هذا التلويح لا يُقرأ كتصعيد ضد المجتمع الدولي، بل كنداء استغاثة لعدم تحويل الجنوب إلى مسرح مفتوح للغارات بلا رادع أو مسار قانوني واضح.
مراقبون أكدوا أن في التصعيد الإسرائيلي رسائل مزدوجة: واحدة لطهران، عنوانها أن لبنان ليس ورقة يمكن لإيران أن تلعب بها عبر زيارة وزير خارجيتها عباس عراقجي. والأخرى لـ"حزب الله"، مضمونها أن إسرائيل لن تسمح بعودة قدراته إلى ما كانت عليه قبل الحرب على غزة، أما الصمت الإيراني، فقد يكون دلالة على مرحلة جديدة من الانكفاء، أو انتظار لما ستسفر عنه لعبة التوازنات الجديدة في المنطقة.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جورج شاهين: إن التصعيد الأخير في الجنوب اللبناني لا يمكن فصله عن المسار الإقليمي المعقد، خصوصًا في ظل تداخل الملفات النووية الإيرانية، والتوتر المتصاعد بين إسرائيل و«حزب الله».
ويقول شاهين في حديثه لـ"العرب مباشر": الغارة التي استهدفت منطقة الشهابية تحمل في طياتها رسالة مزدوجة، إحداها ميدانية تتصل برغبة إسرائيل في توسيع بنك أهدافها داخل العمق اللبناني، والأخرى سياسية تشير أن واشنطن ما زالت تمنح إسرائيل حرية نسبية في إدارة معركتها مع الحزب، رغم الانتقادات الشكلية التي تطلقها.
ويضيف شاهين، أن القلق الحقيقي يكمن في الفراغ الأميركي النسبي في الساحة اللبنانية، في وقت باتت فيه مؤسسات الدولة مقيّدة، والجيش اللبناني يلوّح بالعزوف عن مرافقة لجنة الرقابة ما لم تتدخل واشنطن بفعالية.
ويشدد على أن إسرائيل تحاول استباق أي تسوية إقليمية محتملة من خلال تثبيت وقائع جديدة على الأرض، وتراهن على إضعاف حزب الله عسكريًا وفرض شروط انسحاب مشروطة بنزع سلاحه.