المساعدات لا تعبر.. إسرائيل تعيد توجيه مادلين بعيدًا عن غزة
المساعدات لا تعبر.. إسرائيل تعيد توجيه مادلين بعيدًا عن غزة

في محاولة جديدة لكسر الحصار المفروض على غزة، أبحرت سفينة "مادلين" ضمن ما يُعرف بـ"تحالف أسطول الحرية"، حاملة على متنها نشطاء من مختلف الجنسيات وشخصيات عامة تعاطفًا مع المأساة الإنسانية المتواصلة في القطاع.
السفينة، التي روج لها كرمز للسلام والمساعدات الإنسانية، وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع العزيمة الإسرائيلية الصلبة، والتي رفضت بشكل قاطع السماح لها ببلوغ وجهتها.
حيث كانت الرحلة تهدف إلى إيصال مساعدات رمزية، لكنها اكتسبت زخمًا دوليًا بسبب مشاركة أسماء معروفة، غير أن المسار الذي اختارته السفينة لم يكن مجرد تحدي لخطوط الملاحة، بل كان اصطدامًا مباشرًا بالإرادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي تعاملت مع الرحلة باعتبارها استفزازًا لا يمكن تجاهله.
الاقتراب من غزة ممنوع
التحرك الإسرائيلي تجاه السفينة لم يكن مفاجئًا، إذ جاء في سياق موقف واضح وصريح "لا مجال لأي اختراق لسيادة القرار الإسرائيلي" على ما تسميه بـ"المنطقة البحرية المحظورة قبالة غزة"، سواء كانت السفن تحمل مساعدات أو شعارات رمزية، فإن التعامل معها يخضع لحسابات عسكرية وأمنية معقدة، لا تتسامح مع ما تعتبره خروقات أو استفزازات.
المشهد الذي بدأ بسفينة تمخر عباب المتوسط نحو غزة، تحوّل سريعًا إلى حالة من التوتر والضبابية، انقطع الاتصال بالسفينة، وتواترت الأنباء حول محاصرتها في المياه الدولية، ما أعاد إلى الأذهان مشاهد من مواجهات سابقة، كانت نتائجها دامية في بعض الأحيان.
إسرائيل، التي كانت تتابع الرحلة منذ انطلاقها، لم تتردد في التدخل، واستخدمت وسائل تقنية وأمنية لعرقلة تقدم السفينة، وإجبارها على تغيير مسارها.
الرسالة السياسية أقوى من الحمولة
السفينة "مادلين" لم تكن مجرد ناقلة مساعدات، بل كانت رسالة سياسية بامتياز، الأسماء المشاركة على متنها، وتوقيت انطلاقها، والمسار الذي اتخذته، كلها عناصر تشير إلى أن الهدف كان يتجاوز الشحنة إلى الرمز، إسرائيل قرأت الرسالة جيدًا، وردت عليها بوضوح "أي محاولة لكسر الحصار ستُقابل بالردع، أيًا كان من يقف وراءها".
ورغم الغطاء الإنساني الذي تحاول هذه الرحلات إبرازه، إلا أن إسرائيل ترفض التعامل معها على هذا الأساس، وتعتبرها محاولات للتلاعب بالرأي العام الدولي، ومحاولة لإحراجها أمام الكاميرات، وهي ترى في هذه السفن "قنابل سياسية عائمة"، تسعى إلى نزع الشرعية عن سياساتها تجاه غزة، أكثر مما تسعى إلى إيصال الغذاء والدواء.
الطرق الشرعية وحدها مقبولة
في خضم هذه الأزمة، تتمسك إسرائيل بروايتها الأساسية، تقديم المساعدات إلى غزة يجب أن يتم عبر القنوات المعتمدة فقط، أي تحرك خارج هذا الإطار، تراه تل أبيب تهديدًا مباشرًا، خصوصًا في ظل التصعيد الإقليمي وتنامي التوترات، وبالنسبة لها، فإن فرض الحظر البحري ليس فقط أداة لمحاصرة حركة حماس، بل هو جزء من منظومة أمن قومي أوسع.
ورغم الانتقادات الدولية، فإن إسرائيل تواصل بناء جدار قانوني وسياسي يحمي قراراتها المتعلقة بغزة، مستندة إلى سابقة تاريخية وسياسية ترفض التخلي عنها، ولذلك، فإن إعادة توجيه "مادلين"، أو أي سفينة أخرى، لن يكون مجرد إجراء روتيني، بل هو رسالة متكررة، من أراد أن يساعد، عليه أن يمر عبر البوابة التي تحددها تل أبيب، لا عبر البحر.
ويقول أستاذ العلوم السياسية أيمن الرقب: إن اعتراض إسرائيل لسفينة "مادلين" لا يتعلق فقط بالحمولة أو بالبعد الإنساني، بل يعكس موقفًا ثابتًا من أي محاولة لاختراق الحصار المفروض على قطاع غزة، حتى وإن كانت مدفوعة بأهداف رمزية أو تضامنية، والهدف هو تدمير وتصفية الباقين في القطاع.
وأضاف الرقب -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن تل أبيب تعتبر أي تحرك بحري مستقل خارج الإطار التنسيقي الرسمي تهديدًا لأمنها القومي، موضحًا أن إسرائيل تدرك أن هذه السفن تسعى لخلق مشهد إعلامي ضاغط، وليس فقط إيصال مساعدات محدودة التأثير، وتوقيت إرسال السفينة يحمل دلالات سياسية مرتبطة بالوضع الإقليمي، خاصة مع تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل، مشيرًا أن استباقها للحدث عبر تدخل مباشر يعكس رغبة في كسر السيناريو قبل اكتماله إعلاميًا.