في مرمى العقوبات: واشنطن تشدد الخناق على الخرطوم بسبب الأسلحة الكيميائية
في مرمى العقوبات: واشنطن تشدد الخناق على الخرطوم بسبب الأسلحة الكيميائية

بينما يتصاعد لهيب النزاع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تفتح الولايات المتحدة جبهة ضغط جديدة على الخرطوم، ولكن هذه المرة من بوابة الأسلحة المحرمة دوليًا، فقد جددت واشنطن دعوتها للحكومة السودانية إلى وقف فوري لاستخدام الأسلحة الكيميائية، في ظل اتهامات متكررة باستخدام غاز الكلور ضد المدنيين في مناطق نائية. رغم النفي القاطع من الجانب السوداني، فإن الإدارة الأمريكية لم تتردد في فرض عقوبات اقتصادية وأمنية، أضيفت إلى حزمة ضغوط تهدف – كما تقول – إلى حماية المدنيين وفرض الامتثال لاتفاقيات دولية. وبينما تشتد المعارك على الأرض، تتحرك واشنطن في المسار الدبلوماسي من خلال اجتماعات "الرباعية" مع السعودية والإمارات ومصر، في محاولة لبلورة حل سياسي يوقف دوامة العنف، ومع ذلك، يبقى مصير المدنيين في السودان رهين التوازنات الدولية وحسابات السلاح والسياسة.
حزمة من العقوبات
في أحدث فصول الضغط السياسي والدبلوماسي، وجهت الولايات المتحدة رسالة جديدة إلى الخرطوم، تطالب فيها بوقف جميع أشكال استخدام الأسلحة الكيميائية فورًا، مؤكدة أن استمرار الانتهاكات المزعومة يمثل خرقًا صارخًا لالتزامات السودان الدولية، وخاصة تلك المتعلقة باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي يُعد السودان طرفًا فيها منذ عام 1999.
هذه الدعوة جاءت عقب فرض واشنطن حزمة من العقوبات دخلت حيز التنفيذ في يونيو الماضي، تستهدف قطاعات حيوية في الاقتصاد السوداني، وتشمل قيودًا على صادرات التكنولوجيا، ومبيعات الأسلحة، والتمويل، مع استثناءات محدودة تتعلق بالمساعدات الإنسانية والغذائية والطبية.
تتهم الخارجية الأمريكية الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية خلال عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع، لا سيما في الاشتباكات التي اندلعت في أبريل 2024. وبحسب تقارير صحفية أميركية، من بينها تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 2025، فإن الجيش السوداني استخدم غاز الكلور مرتين على الأقل في مناطق نائية يصعب الوصول إليها، وسط غياب رقابة دولية فاعلة.
تحريك الملف أمام منظمات دولية
وبالرغم من نفي الحكومة السودانية لهذه الاتهامات واعتبارها "مزاعم ملفقة تهدف إلى تشويه صورة القوات المسلحة"، إلا أن واشنطن تصر على موقفها، معتبرة أن الأدلة التي جمعتها أجهزة استخباراتها وتلك التي وفرها شهود ميدانيون ووكالات إغاثة، كافية لتبرير فرض العقوبات.
وأكد دبلوماسي أمريكي رفيع في تصريحات لصحف سودانية محلية، أن "السلوك غير المنضبط من أي طرف في النزاع السوداني لا يمكن أن يمر دون رد"، مشددًا على التزام واشنطن بمحاسبة المسؤولين عن استخدام أسلحة محرّمة دوليًا، بما في ذلك إمكانية تحريك الملف أمام منظمات دولية، مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ورغم هذه اللهجة المتشددة، أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن العقوبات لا تشمل المواد الإنسانية الأساسية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تواصل دعمها للشعب السوداني عبر قنوات غير حكومية، وتمدّه بمساعدات تشمل الغذاء، والرعاية الصحية، ومياه الشرب، في ظل موجات النزوح المتزايدة.
الحل السياسي
أما على الصعيد الدبلوماسي، فتسعى واشنطن إلى تنشيط قنوات الحل السياسي من خلال ما يُعرف بـ"الرباعية الدولية بشأن السودان"، والتي تضم إلى جانب الولايات المتحدة كلًا من السعودية، والإمارات، ومصر. وأفاد مصدر دبلوماسي أميركي بأن الاجتماع المقبل المزمع عقده نهاية الشهر الحالي لن يتم الإعلان مسبقًا عن جدول أعماله، حفاظًا على سرية المداولات ومنع تسريب المسارات التفاوضية.
وقال المسؤول إن الولايات المتحدة تدرك أن تسوية النزاع السوداني لا يمكن أن تتم بوسائل عسكرية، بل عبر مفاوضات شاملة تُنهي الصراع وتعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس مدنية.
كما شدد على ضرورة التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدفع الأطراف السودانية المتحاربة نحو طاولة الحوار.
التأثير على موازين القوى
من جانبه، قال المحلل السوداني، ضياء الدين على، أن الولايات المتحدة تعتمد تكتيكًا مزدوجًا في تعاملها مع الملف السوداني، يجمع بين الضغط الحقوقي والتحرك الجيوسياسي.
وأضاف - في تصريحات لـ"العرب مباشر" - أن الاتهامات الموجهة للجيش السوداني باستخدام الأسلحة الكيميائية لا تنفصل عن محاولة واشنطن التأثير على موازين القوى في الداخل السوداني، وربما إعادة صياغة معادلة النفوذ في منطقة القرن الإفريقي.
ويشير علي إلى أن العقوبات الأمريكية، رغم إعلانها حماية المدنيين، تعكس أيضًا توجّهًا استراتيجيًا لتحجيم النفوذ الروسي في السودان، خصوصًا في ظل التقارير عن وجود مقاتلين أجانب ومصالح أمنية لدول متعددة.
ويرى أن واشنطن تستثمر في الأزمة لتكريس نفوذها عبر "الرباعية" الإقليمية، مستفيدة من العلاقات الوثيقة التي تربطها بالسعودية ومصر.
ويُحذر علي من أن تكرار العقوبات دون مسار سياسي واضح قد يدفع الخرطوم إلى تعزيز تحالفاتها غير الغربية، ما يزيد تعقيد الأزمة، كما يشدد على ضرورة وجود لجنة تحقيق دولية محايدة بشأن مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية، منعًا لتسييس الملف على حساب الحقيقة ومعاناة المدنيين.