العودة الصعبة.. مبادرة برلمانية تشعل الجدل بين نازحي شرق ليبيا

العودة الصعبة.. مبادرة برلمانية تشعل الجدل بين نازحي شرق ليبيا

العودة الصعبة.. مبادرة برلمانية تشعل الجدل بين نازحي شرق ليبيا
البرلمان الليبي

بعد عقد كامل من الغربة والشتات، تتجدد الآمال وتتصاعد المخاوف بين آلاف الليبيين الذين نزحوا عن مدنهم في شرق البلاد منذ عام 2014، مبادرة أطلقها مجلس النواب لإعادتهم إلى ديارهم أشعلت جدلًا واسعًا بين مؤيد يرى فيها بارقة أمل طال انتظارها، ومعارض يشكك في صدقيتها ويخشى أن تكون مجرد واجهة سياسية تفتقر لضمانات حقيقية، وسط غياب الثقة في المؤسسات، وانقسام الساحة السياسية بين حكومتين متنافستين، يتساءل كثيرون عن جدوى العودة في ظل غياب ضمانات أمنية وقانونية تحمي حقوقهم وتضمن عدم تعرضهم للانتقام.

وبينما يرى البعض أن المصالحة ضرورة وطنية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي، يرى آخرون أن أي مبادرة لا تقترن بعدالة انتقالية ومحاسبة منتهكي الحقوق مصيرها الفشل.

بعد سنوات على النزوح

أثارت مبادرة أطلقتها لجنة العدل والمصالحة في مجلس النواب الليبي لإعادة النازحين من شرق البلاد إلى ديارهم جدلًا محتدمًا، عكس عمق الشروخ السياسية والاجتماعية التي ما تزال تعصف بالبلاد بعد أكثر من عشر سنوات على نزوح الآلاف من بنغازي ودرنة وأجدابيا ومدن أخرى.

اللجنة، التي تواصلت مع عدد من النازحين هذا الشهر، دعتهم إلى تقديم طلبات لتسوية أوضاعهم، متعهدة ببحث إمكانية عودتهم في إطار "مبادرة وطنية" يقودها رئيس البرلمان عقيلة صالح.

غير أن المبادرة قوبلت بترحيب حذر من البعض، ورفض قاطع من آخرين اعتبروها "صفقة سياسية" وتفتقر للضمانات.

مطالب العائدين

في أحد اللقاءات التي عقدت خارج ليبيا، سلّم النازح عادل الزوي قائمة من سبعة مطالب للجنة، شملت إصدار تشريعات تحمي العائدين، وتعويضهم ماديًا ومعنويًا، مع اشتراط الإفراج عن المعتقلين السياسيين المرتبطين بأحداث 2014.

بالمقابل، نظم معارضو المبادرة وقفة احتجاجية في طرابلس، رفعوا خلالها شعارات تندد بالمبادرة واعتبروها "مقدمة لإزهاق أرواح جديدة"، وطالبوا بضمانات دولية لسلامة العائدين عبر إشراف الأمم المتحدة، وإجراءات فعلية كالإفراج عن المعتقلين ووقف التحريض الإعلامي.

مجلس حكماء بنغازي في المنطقة الغربية، وهو هيئة اجتماعية لها وزنها بين النازحين، أصدر بيانًا أعرب فيه عن استغرابه من إطلاق مبادرة للمصالحة وسط استمرار الانقسام السياسي ووجود حكومتين متنافستين، محذرًا من العواقب القانونية والاجتماعية لأي عودة لا تضمن أمن النازحين وحقوقهم.

ورغم محاولات البرلمان الدفاع عن المبادرة باعتبارها "خطوة أولى في طريق طويل"، إلا أن عدم إعلانها رسميًا من قبل المشير خليفة حفتر أو عقيلة صالح أثار شكوكًا إضافية.

نزوح معقد

من جانبه، نائب رئيس "منظمة مهجري بنغازي"، عمر المغربي، أكد أن أي مصالحة حقيقية تتطلب بادرة حسن نية ملموسة، تبدأ بإجراءات عملية وليست مجرد وعود.

من جهة أخرى، ظهرت أصوات داعمة للمبادرة، مثل: "حراك شباب بنغازي المهجرين"، الذين عبروا عن توقهم للعودة، واعتبروا أن الغربة وضنك العيش أنهكاهم نفسيًا وماديًا، مؤكدين أن من يرغب في البقاء بالمهجر فله حرية الاختيار.

رغم غياب أرقام رسمية دقيقة عن عدد النازحين، تشير تقديرات إلى وجود ما بين 4 آلاف إلى 6 آلاف نازح، معظمهم من مدن بنغازي ودرنة وأجدابيا، بينما تصف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الوضع بأنه "نزوح معقد"، يتداخل فيه البعد الأمني بالاجتماعي والسياسي.

وكان تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية لعام 2023 قد أشار إلى أن جزءًا من النازحين تمكنوا من العودة بالفعل، لكن ما يزال كثيرون يواجهون تهديدات أمنية، ومخاوف من الانتقام، ما يجعل عودتهم محفوفة بالمخاطر.

من جانبه، يقول أحد المطالبين بالعودة - رفض ذكر اسمه-: إن الحل يكمن في منح الفرصة للبلاد لتعيش وحدة حقيقية ومصالحة نهائية، داعيًا إلى الاستلهام من تجارب دول مثل جنوب أفريقيا ورواندا، حيث نجحت المصالحات الوطنية رغم عمق الجراح.

أما ناصر هواري رئيس منظمة "ضحايا لحقوق الإنسان"، فيعزو ضعف الثقة في مبادرات المصالحة الليبية إلى تعدد الجهات المختصة بالمصالحة، وتضارب التشريعات، وغياب إجراءات حقيقية لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، سواء في الشرق أو الغرب.
في النهاية، تظل مبادرة إعادة النازحين إلى ديارهم خطوة محفوفة بالتحديات.