رائحة النفط والبارود.. الزاوية بين مطرقة الميليشيات وسندان التهريب

رائحة النفط والبارود.. الزاوية بين مطرقة الميليشيات وسندان التهريب

رائحة النفط والبارود.. الزاوية بين مطرقة الميليشيات وسندان التهريب
اشتباكات الزاوية

بينما تترنح ليبيا على وقع محاولات لمّ الشمل الوطني، تعود مدينة الزاوية إلى واجهة المشهد الدموي، رهينة لصراع ميليشيوي يعكس عمق الفوضى والانفلات الأمني في البلاد، على بعد كيلومترات من العاصمة طرابلس، باتت الزاوية نموذجًا صارخًا لغياب الدولة وتحوّل مناطق بأكملها إلى مسارح حرب يتحكم فيها أمراء السلاح وعصابات التهريب.  

الاشتباكات الأخيرة، التي اندلعت بين ميليشيات يتزعمها محمد بحرون "الفار" ومحمد كشلاف "القصب"، كشفت عن مدى هشاشة الوضع الأمني وتفشي منطق القوة في غياب القانون، وأمام أعين السكان، تحوّلت الشوارع إلى ساحات معارك، تقطعت فيها الطرق وعلت فيها أصوات الرصاص فوق كل صوت، في ظل هذا الواقع، يبدو أن مستقبل المدينة بات رهن صراعات شخصية ومصالح غير مشروعة، وسط تحذيرات من امتداد رقعة العنف إلى مناطق أخرى غرب البلاد، ما يهدد بتقويض أي مسعى سياسي لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.

*مسلسل الفوضى*


لم تكن الاشتباكات الأخيرة في مدينة الزاوية سوى حلقة جديدة في مسلسل الفوضى الأمنية التي تعصف بالمنطقة الغربية من ليبيا منذ أكثر من عقد.

اندلاع القتال بين الميليشيات المتناحرة ليس مجرد خلاف مسلح عابر، بل هو انعكاس لصراع معقّد على النفوذ والموارد غير المشروعة، في مدينة باتت مركزًا رئيسيًا للتهريب وتجارة السلاح.

مع اندلاع الاشتباكات بين ميليشيات محمد بحرون، المعروف بلقب "الفار"، وخصمه محمد كشلاف، الملقب بـ"القصب"، خيم الرعب مجددًا على أحياء الزاوية.

فقد أغلقت مجموعات مسلحة، تستقل سيارات دفع رباعي مموهة، الطريق الساحلي الرابط بين ليبيا وتونس عند جسر الحرشة، فيما دوى تبادل كثيف لإطلاق النار في منطقة الركينة، ما شلّ الحركة وشظّى أمن السكان.

*تقاسم السلطة والنفوذ*


وبحسب مصادر محلية، فإن التوتر تفجّر إثر مقتل عنصر من ميليشيا "الفار"، يُدعى علاء غ. المعروف بـ"الشايطة"، على يد مسلحين تابعين لـ"القصب"؛ ما أدى إلى انفجار موجة انتقامية، استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وتسببت في أضرار بالغة بالبنية التحتية دون إمكانية حصر عدد القتلى حتى اللحظة، بسبب استمرار القتال وتدهور الوضع الميداني.

لكن خلف هذا المشهد الدموي، تكمن معركة أعمق، تدور رحاها حول السيطرة على طرق التهريب ومصادر الربح السريع.

الزاوية، التي تحتضن واحدة من أهم مصافي النفط في البلاد، تحولت إلى ساحة تتقاطع فيها مصالح شبكات تهريب الوقود، والمخدرات، والأسلحة، التي تعمل بتنسيق مع قادة الميليشيات.

هؤلاء القادة يتقاسمون السلطة والنفوذ، متجاوزين كل مؤسسات الدولة التي فقدت السيطرة فعليًا على المنطقة.

محمد بحرون، المطلوب للنائب العام بتهم جنائية، يقود إحدى أقوى الجماعات المسلحة في الزاوية، ويتهمه مراقبون بالسيطرة على مداخل المدينة ومنافذ تهريب الوقود.

أما محمد كشلاف، المعروف بعلاقاته الممتدة مع شبكات التهريب البحري، فيُنظر إليه على أنه يتزعم جناحًا موازٍ يطمح لإزاحة "الفار" من مراكز القوة.

وفي ظل غياب أي تدخل فعلي من الدولة أو الأجهزة الأمنية الرسمية، تتكرر المواجهات بشكل دوري، وتُترك المدينة لسكانها العُزّل الذين يدفعون الثمن من أمنهم وأرواحهم. المدنيون، الذين يعيشون تحت رحمة الميليشيات، باتوا غير قادرين على التنبؤ بمستقبلهم، في ظل مشهد تتحكم فيه البنادق وتغيب عنه العدالة.

*خارج سيطرة الدولة*


يقول المحلل السياسي الليبي إسماعيل الرملي، أن الخطورة لا تكمن فقط في الاشتباكات بحد ذاتها، بل في الرسائل التي ترسلها هذه الأحداث للمجتمع الدولي.


وأضاف الرملي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الرسالة التي تصل إلى العالم هي أن الغرب الليبي ما زال خارج سيطرة الدولة، وأن أي مشروع لبناء مؤسسات مستقرة في ليبيا لن ينجح ما لم يُكبح جماح الميليشيات وتُفرض سيادة القانون.

وتابع، فمنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، أُغرقت البلاد بأكثر من 29 مليون قطعة سلاح، وفق تقديرات غير رسمية، ما حولها إلى ترسانة غير مضبوطة.

وأكمل الرملي، الزاوية، وغيرها من مدن الغرب الليبي، أصبحت ضحية مباشرة لهذا الانفلات، فيما تُستخدم هذه الأسلحة في حروب بالوكالة وصراعات داخلية تُغذيها أجندات داخلية وخارجية على حد سواء.

*الدعم المصري*


مصر، من جانبها، أعادت التأكيد على التزامها بدعم الحل السياسي في ليبيا، لكن الجهود الإقليمية والدولية لن تنجح ما لم تقترن بقرارات جريئة لنزع سلاح الميليشيات وإنهاء الاقتصاد الموازي الذي تتغذى عليه هذه الجماعات.

يقول الرملي، اليوم، تقف مدينة الزاوية على مفترق طرق، إما الخروج من دوامة العنف عبر مسار شامل لبناء الدولة، أو السقوط أكثر في فخ التهريب والانقسام والاقتتال الذي قد يمتد إلى مناطق أوسع.