السودان.. أزمة إنسانية متفاقمة وإبادة جماعية تلوح في الأفق
السودان.. أزمة إنسانية متفاقمة وإبادة جماعية تلوح في الأفق
أصبحت الأزمة السودانية واحدة من أخطر النزاعات التي يشهدها العالم في الفترة الحالية، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعيش البلاد تحت وطأة معارك دموية أدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، ومع التحذيرات الدولية المتصاعدة من احتمال وقوع "إبادة جماعية" في دارفور، يجد العالم نفسه أمام أزمة قد تتسع لتشمل أبعادًا أكثر خطورة إذا لم يتم التوصل إلى حلول عاجلة.
التحذيرات الدولية والمجتمع الدولي
تحذيرات الاتحاد الأوروبي الأخيرة من احتمالية حدوث إبادة جماعية في السودان، جاءت ضمن سلسلة من التصريحات الدولية التي تعكس حجم القلق المتزايد بشأن تصاعد العنف في البلاد.
الاتحاد الأوروبي شدد - في بيانه الأخير- على أنه لن يقف موقف المتفرج إذا استمر العنف بلا رادع، مؤكدًا عزمه على فرض عقوبات إضافية على قادة الحرب السودانية.
يأتي هذا في وقت حساس للغاية، حيث يتزامن مع انعقاد اجتماع رباعي في نيويورك نهاية الأسبوع الحالي بمشاركة الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول العربية؛ لمناقشة الأزمة السودانية والبحث في السبل الممكنة لإيقاف النزاع.
"الفاشر" بؤرة الحرب والتهديدات الجديدة
من أبرز المناطق التي تعاني من تصاعد القتال مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، شهدت المدينة تصعيدًا غير مسبوق، حيث تدور معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما عرض حياة آلاف المدنيين للخطر.
تقارير دولية أشارت إلى أن الوضع في الفاشر قد يصل إلى "نقطة اللاعودة"، حيث تم تدمير عدة قرى على أيدي الميليشيات المسلحة التابعة لقوات الدعم السريع. هذا التصعيد يأتي في ظل حصار خانق فرض على المدينة، مما يمنع وصول المساعدات الإنسانية الأساسية التي يحتاجها السكان.
التدهور الإنساني وخطر المجاعة
الأزمة الإنسانية في السودان وصلت إلى مستويات مروعة، أكثر من 13 مليون شخص تم تشريدهم، بينما يواجه 26 مليونًا خطر المجاعة، في وقت فقد فيه أكثر من 60% من السكان مصادر رزقهم.
الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في معظم أنحاء البلاد جعل من الصعب على المدنيين الحصول على أساسيات الحياة اليومية، كالطعام والماء والرعاية الصحية.
ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة بشكل أكبر إذا استمر القتال على نفس الوتيرة الحالية، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن 70% من مناطق البلاد أصبحت ساحة للحرب، ما يزيد من تعقيد الأوضاع.
المساعي الدولية لوقف النزاع
رغم المحاولات المستمرة من المجتمع الدولي للوساطة بين الأطراف المتحاربة، إلا أن هذه الجهود لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن.
الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، قامت بتكثيف ضغوطها على طرفي النزاع من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، إلا أن التعنت لا يزال سيد الموقف.
تشير التقارير إلى أن الأطراف المتحاربة ما زالت تتعامل مع الأزمة بمنطق القوة العسكرية، في حين أن الحل الوحيد المتاح أمامها هو الحل السياسي.
السيناريوهات المستقبلية
إحدى الخيارات المتاحة التي تم طرحها من قبل عدد من المؤسسات الدولية هي نشر مراقبين عسكريين أفارقة تحت مظلة الأمم المتحدة، لضمان تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار ومراقبة الوضع على الأرض.
إلا إن هذا الخيار يواجه عقبات كبيرة، أبرزها استمرار الأعمال العدائية من قبل الأطراف المتحاربة، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية التي تسهم في تعقيد الأزمة. ومع ذلك، ما تزال هناك بعض الجهود التي تهدف إلى تحقيق هدنة إنسانية تتيح تقديم المساعدات للسكان المدنيين المتضررين.
مدينة أشباح
في ظل قصف مستمر وإطلاق نار متواصل، تقول عائشة احمد، أم ثلاثينية، الحرب مستمرة ولا نستطيع الحياة في ظل غياب الأساسيات، مضيفة، فأنا أكافح فقط من أجل الاطمئنان على رضيعي ذو الثلاثة أشهر.
وأضافت عائشة لـ"العرب مباشر"، الوصول إلى عيادة ما أمر شبه مستحيل، طفلي يعاني من صعوبات في التنفس واحتاج لفحصه منذ أكثر من شهر دون جدوى.
وتابعت عائشة، الطرق مغلقة نتيجة القتال، والتنقل بين أحياء المدن أصبح مغامرة شديدة الخطورة، وإذا استمرت الأوضاع سأفقد رضيعي إلى الأبد.
في السياق ذاته، لم تكن "عائشة" وحدها التي تعيش هذه المأساة، فقد تردد صوت "سليم"، شاب في الثلاثينات من العمر، الذي فقد والده بسبب القصف.
يروي سليم: "عندما اشتد القتال في الحي الذي نعيش فيه، كنا مضطرين للتنقل من مكان إلى آخر بحثًا عن ملاذ آمن". وصل سليم وعائلته إلى أحد المخيمات المكتظة بالنازحين.
يقول: "الوضع هناك كان أشبه بالعيش في سجن. كان كل شيء مفقودًا، من الطعام إلى المياه النظيفة، وكأننا انتقلنا من مأساة إلى أخرى".
وتابع، الخرطوم التي كانت في يوم من الأيام أكبر مدينة سودانية، تحولت إلى مدينة أشباح. مناطق واسعة منها أصبحت خالية من السكان، والملاجئ التي أقيمت للنازحين لا تصلح للحياة الآدمية.
وأضاف، مع انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض مثل الكوليرا وشلل الأطفال، أصبح الحصول على الرعاية الصحية تحديًا هائلًا، حيث خرجت معظم المستشفيات عن الخدمة.
*تحديات خطيرة*
في السياق ذاته، أكد المحلل السياسي السوداني، أنس الحامدي، أن الأزمة السودانية الحالية تمثل واحدة من أخطر التحديات التي تواجه البلاد منذ عقود.
ويرى الحامدي، أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ليست مجرد صراع على السلطة بل تعكس صراعًا أعمق يتعلق بالهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي في السودان.
وأضاف - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، إن استمرار القتال بهذا الشكل العنيف دون أي تدخل دولي حقيقي لإيقافه يزيد من احتمالات وقوع إبادة جماعية، خصوصًا في دارفور، التي شهدت سابقًا أحداثًا مماثلة، مضيفًا، دارفور تعيش في حالة من الفوضى، حيث تسعى قوات الدعم السريع لترسيخ سيطرتها بالقوة، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن التدخل الفعّال".
وأشار الحامدي إلى أن تدهور الأوضاع الإنسانية يفاقم من تعقيدات المشهد، مضيفًا: "الأزمة الغذائية، إلى جانب انعدام الأمن والخدمات الطبية، قد تكون القشة التي تقصم ظهر البلاد إذا لم يتم التوصل إلى حلول عاجلة.
وتابع المحلل السياسي السوداني، نشهد في الوقت الحالي نزوحًا جماعيًا وفقدانًا للمنازل، وهذه العوامل ستؤدي إلى خلق أجيال جديدة من السودانيين الذين لا يعرفون سوى الحرب والمعاناة.
وشدد على أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق، لكنه حذر من أن كل تأخير يزيد من احتمالية وقوع كوارث إنسانية لا يمكن تداركها.