جنوب بلا شهود.. ماذا تريد إسرائيل من إلغاء اليونيفيل؟.. خبراء يجيبون

جنوب بلا شهود.. ماذا تريد إسرائيل من إلغاء اليونيفيل؟.. خبراء يجيبون

جنوب بلا شهود.. ماذا تريد إسرائيل من إلغاء اليونيفيل؟.. خبراء يجيبون
الجيش الإسرائيلي

في الجنوب اللبناني، حيث تتقاطع الحدود بالنار والتوازنات الهشة، يلوح في الأفق خطر من نوع جديد، لا يأتي من المدافع أو الطائرات، بل من قرار سياسي قد يُعيد خلط أوراق الحرب والسلم: إنهاء تفويض قوات اليونيفيل.

 هذه القوة الدولية، التي وُلدت من رحم قرارات الأمم المتحدة لمنع الانزلاق نحو الحرب الشاملة، تواجه اليوم معركة من نوع آخر تقودها تل أبيب، معركة ضد وجودها ذاته، لا تخفي إسرائيل رغبتها في تقليص أو إنهاء مهام هذه القوات، متذرعة بضعف فعاليتها، بينما الحقيقة تبدو أكثر تعقيدًا: هناك من يسعى لإزاحة "الشاهد الدولي" على ما يحدث في الجنوب، تمهيدًا لمرحلة من الانفلات الأمني المحسوب، فهل تنجح تل أبيب في تفكيك هذا الطوق الأممي، وما حدود الصمت الدولي حين تتقاطع مصالح واشنطن وتل أبيب؟ التقرير التالي يحلل أبعاد هذا التحول المفصلي في قواعد الاشتباك على حدود مشتعلة أصلاً.

*استراتيجية أعمق*


لم يكن التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان مجرد رد فعل ميداني أو تباين في وجهات النظر، بل بدا وكأنه يأتي ضمن استراتيجية أعمق، تهدف إلى تقويض الوجود الأممي في تلك المنطقة الحساسة، والتأسيس لواقع أمني جديد تتحكم فيه إسرائيل وحدها.

في قلب هذا التصعيد، تبرز دعوات إسرائيلية واضحة لإنهاء أو تقليص تفويض اليونيفيل.

 التصريحات الرسمية التي عبّر عنها بعض المسؤولين الإسرائيليين مؤخرًا تلمّح إلى "عدم جدوى" هذه القوات، في وقت تزداد فيه الضغوط على الأمم المتحدة لإعادة النظر في طبيعة وجودها جنوبي نهر الليطاني. لكن هذه الرواية الرسمية تُخفي خلفها معطيات أكثر دقة تتعلق بإعادة تشكيل البيئة الأمنية الحدودية وفقًا لاحتياجات إسرائيل في هذه المرحلة.

*بين المراقبة والردع: إسرائيل تُفكك رقابة الأمم المتحدة*

اليونيفيل، التي تأسست عام 1978 بموجب القرار 425، ثم عُززت صلاحياتها بالقرار 1701 عام 2006 بعد حرب تموز، لطالما كانت العين الدولية على التوتر المتفجر بين حزب الله وإسرائيل، لكن التحول الحالي يأتي من إدراك إسرائيلي متزايد بأن هذه "العين" لم تعد تخدم مصالحها بقدر ما تعيق عملياتها الاستخبارية والعسكرية.

اللواء المتقاعد عبد الرحمن الشحيتلي، الذي شغل منصب ممثل الحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل، يرى أن ما يحصل هو عملية "ممنهجة" لنزع الشرعية عن الوجود الأممي. ويؤكد في تصريحات صحفية، أن إسرائيل تسعى إلى بيئة جنوبية فارغة من أي رقابة، تسمح لها بحرية الحركة الاستخباراتية والضربات الموضعية دون حرج أمام مجلس الأمن أو الرأي العام العالمي.

*خنق التفويض: بين التآكل الرمزي والانهيار الفعلي*


الضغط الإسرائيلي على الأمم المتحدة يأخذ طابعًا سياسيًا وأمنيًا متزامنًا، فعلى الأرض، تتزايد الخروقات الجوية والبرية، فيما يُرصد تراجع في ردّ فعل قوات اليونيفيل، ما يدفع باتجاه فقدان الهيبة والفعالية.

هذا "التآكل التدريجي"، كما يسميه المحلل السياسي جورج شاهين، يهدد بتحويل اليونيفيل من قوة ردع إلى "شاهد صامت" على انهيار القرار 1701.

ويقول شاهين في حديثه لـ"العرب مباشر"، إن التحركات الإسرائيلية لا يمكن فصلها عن الدعم الأمريكي الكامل، مشيرًا إلى وجود تفاهمات غير معلنة بين تل أبيب وواشنطن تقضي بإعادة هندسة الدور الأممي بما لا يتعارض مع الأجندة الإسرائيلية، خصوصاً في مواجهة حزب الله وإيران.

*ازدواجية إسرائيل في التعامل مع اليونيفيل*

من المثير أن إسرائيل، التي طالما طالبت سابقًا بمنح اليونيفيل صلاحيات أوسع لمراقبة سلاح حزب الله، تغيّرت نبرتها فجأة.

هذا التناقض لا يربك المحللون، بل يكشف، بحسب شاهين، عن منطق "الوظيفة لا الحياد"، إسرائيل أرادت من اليونيفيل أداة ضغط على الحزب، لا قوة مستقلة، وعندما تبيّن لها أن تلك القوات تلتزم بالحياد الأممي، بدأت محاولات التهميش والتفكيك.

رغم أن وجود اليونيفيل يُقيّد إسرائيل، إلا أن إنهاء تفويضها لا يعني مكسبًا مباشرًا لحزب الله.

فهذه القوات تُشكّل، بشكل غير مباشر، صمام أمان يمنع إسرائيل من تنفيذ هجمات شاملة على الجنوب اللبناني، ويمنح الحزب غطاء دبلوماسياً في المحافل الدولية.

بل إن غياب اليونيفيل قد يفتح الباب أمام اشتباكات يومية تتجاوز التكتيك إلى الاستنزاف المتصاعد، ويضع لبنان بأسره في مواجهة المجتمع الدولي، بذريعة "فشل الدولة في السيطرة على حدودها الجنوبية".

*سيناريوهات ما بعد الانهيار: بين الفوضى والمواجهة*

يقول شاهين: إذا ما نجحت إسرائيل في تمرير مشروعها، فإن المشهد الحدودي مرشح للانزلاق إلى سيناريوهات أكثر خطورة، أولها فراغ أمني دولي، حيث ستُصبح الحدود الجنوبية ساحة مفتوحة أمام ضربات إسرائيل، دون رقابة أممية أو مساءلة.

وأضاف المحلل السياسي اللبناني، ثانيها، اشتداد المواجهات مع غياب الرادع الدولي، قد تتصاعد الاشتباكات اليومية وتتحوّل إلى مواجهات شاملة، بالإضافة إلى تدويل الأزمة، فلبنان، الدولة التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وسياسية، قد تجد نفسها في مواجهة ضغوط دولية لتبرير فشلها في ضبط الجنوب.

وتابع شاهين، وآخرها إعادة تعريف الاشتباك، حيث ستفرض إسرائيل قواعد جديدة تتخطى القرار 1701، ما يهدد بتفجير الوضع بأكمله.

واختتم شاهين، تبقى الأمم المتحدة أمام اختبار دقيق: إما الدفاع عن دورها وموقعها كضامن للسلام، أو الانصياع للضغوط الإسرائيلية- الأمريكية وتفريغ القوة الأممية من مضمونها، مضيفًا، في كلتا الحالتين، فإن الجنوب اللبناني مهدد بأن يتحول من "منطقة ضبط" إلى "مساحة اشتعال"، ما لم تُعاد صياغة التوازنات بطريقة تحفظ الاستقرار وتمنع انزلاقًا لا يريد أحد تبعاته.