10 آلاف بيزو.. التضخم المفرط يدفع الأرجنتين لإصدار أكبر ورقة نقدية.. ما القصة؟
التضخم المفرط يدفع الأرجنتين لإصدار أكبر ورقة نقدية
شهدت الأرجنتين في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا حادًا في الأسعار، مما أدى إلى تضخم شهري بلغ 7% في أغسطس، وصل به التضخم السنوي إلى نحو 80%1، هذا الارتفاع المتسارع في التضخم، والذي يُعد من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، قد فرض ضغوطًا هائلة على الاقتصاد الوطني وعلى القوة الشرائية للعملة المحلية، في مواجهة هذا الواقع الاقتصادي الصعب، اضطرت الحكومة الأرجنتينية إلى اتخاذ خطوات جذرية لمعالجة الأزمة المالية المتفاقمة. من بين هذه الإجراءات، كان القرار البارز بزيادة القيمة الاسمية لأكبر ورقة نقدية متداولة في البلاد من 2000 بيزو إلى 10000 بيزو.
*تأثير التضخم*
يُعد التضخم من أكثر التحديات الاقتصادية إلحاحًا التي تواجه المواطنين الأرجنتينيين، حيث يؤثر بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية ونمط حياتهم اليومي. مع ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 287.9%1، وجد الكثيرون أنفسهم يحملون كميات كبيرة من النقود لإتمام المعاملات اليومية، وهو ما يعكس تدهور قيمة العملة الوطنية.
الزيادة الحادة في الأسعار، التي تم قياسها على أساس سنوي، أثرت بشكل أساسي على الملابس بارتفاع 120.8%، تليها الفنادق والمطاعم بنسبة 108.8%، والسلع والخدمات بنسبة 97.8%2. ومن ناحية أخرى، زاد الغذاء بنسبة 95%، والصحة بنسبة 90.9%، والتعليم بنسبة 86.3%، والنقل بنسبة 86.2%2، مما يُشير إلى تأثير التضخم على جميع جوانب الحياة.
تغييرات جذرية في نوعية الطعام والاضطرار إلى التخلي عن السلع الأساسية مثل اللحوم والألبان للأطفال هي بعض من التحديات التي يواجهها المواطنون. الحياة أصبحت مكلفة للغاية، ويضطر الكثيرون إلى تعديل عاداتهم الاستهلاكية والبحث عن بدائل أرخص للمحافظة على مستوى معيشي مقبول.
هذا الوضع يدفع الأرجنتينيين إلى الاعتماد بشكل أكبر على النقود الورقية بدلًا من الوسائل الإلكترونية للدفع، مما يزيد من الطلب على الفئات النقدية الأكبر ويؤدي إلى ضرورة إصدار فئات جديدة من العملة لتسهيل التعاملات اليومية.
*الوضع الاقتصادي الراهن*
بلغ معدل التضخم السنوي في الأرجنتين 287% في مارس، وهو من بين أعلى المعدلات عالميًا. الفئة الجديدة من العملة، التي تعتبر خمسة أضعاف الفئة النقدية السابقة، من المتوقع أن تدخل التداول في الشهر المقبل كجزء من جهود البنك المركزي لتسهيل المعاملات النقدية.
تظل العملة الورقية، وخصوصًا فئة الـ1000 بيزو، هي الوسيلة الأكثر شيوعًا للدفع في الأرجنتين. ومع تدهور قيمة العملة، يفضل البائعون الدفع النقدي للمشتريات الكبيرة ويقدمون خصومات لتشجيع هذه الطريقة على التحويلات الإلكترونية.
*السياسات الاقتصادية والاستقرار المالي*
الرئيس خافيير ميلي، الذي تولى منصبه أخيرًا، وعد بترويض التضخم وتحقيق استقرار العملة المحلية. ومع ذلك، أدت سياساته التقشفية إلى ارتفاع الأسعار، مما زاد من الصعوبات الاقتصادية للمواطنين.
مع استمرار معدل التضخم السنوي في الارتفاع، يشهد البلد سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات. الرئيس ميلي يُشير إلى التباطؤ التدريجي في معدل التضخم الشهري كدليل على نجاح خطته الاقتصادية.
*الأزمة أعمق من الحلول المؤقتة*
من جهته، قال الدكتور محمد عابد أستاذ الاقتصاد الدولي، إن التضخم في الأرجنتين يعكس عدم استقرار السياسات النقدية والمالية على مدى العقود الماضية، مضيفًا أن الزيادة الأخيرة في الفئات النقدية هي مجرد عرض لمشكلة أعمق تتمثل في الثقة المتدهورة بالعملة الوطنية.
وأضاف عابد - في حديثه لـ"العرب مباشر" - لا بد من إصلاحات هيكلية لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، فالأرجنتين تُواجه دوامة من التضخم الذي يغذي نفسه، حيث تؤدي الإجراءات القصيرة الأجل إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها.
وتابع أستاذ الاقتصاد الدولي، يجب التركيز على تعزيز الإنتاجية والتنافسية لخلق اقتصاد مستدام يمكنه مواجهة الصدمات الخارجية، مضيفًا أن التحديات التي تواجه الأرجنتين تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يتجاوز مجرد التعامل مع الأعراض الظاهرة للتضخم.
وأشار عابد إلى أهمية تركيز صانعي السياسات على تعزيز الثقة في الاقتصاد من خلال تحسين البنية التحتية، دعم الابتكار، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، مختتمًا، فقط من خلال تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنويع مصادر الدخل يمكن للأرجنتين أن تتغلب على دوامة التضخم الحالية.