باستخدام الذهب.. الصين تُعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية والدولار يُواجه التحدي
باستخدام الذهب الصين تُعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية والدولار يُواجه التحدي
في عالم الاقتصاد العالمي، حيث تتقاذف الأمواج الدول الصغيرة والكبيرة على حد سواء، يظل الدولار الأمريكي كمنارة ثابتة تضيء مسارات التجارة والاستثمار لعقود من الزمان، كان الدولار الأمريكي بمثابة العملة الاحتياطية العالمية، يحظى بالثقة والاعتماد في معاملات التجارة الدولية والاستثمارات العابرة للحدود، ولكن، في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة والتغيرات الاقتصادية المتسارعة، يتساءل الكثيرون: هل بدأ نجم الدولار يخفت؟ هل نحن على أعتاب عصر جديد قد يشهد تراجع هذه الهيمنة التي لطالما كانت محط الأنظار.
*تزايد الشكوك*
لقرون، تربّع الدولار الأمريكي على عرش النظام المالي العالمي كالعملة الاحتياطية الأولى، مانحًا الاقتصاد العالمي استقرارًا وثقة لا مثيل لهما، بفضل مؤسساته المالية الراسخة وسوقه المالية العميقة، أصبح الدولار رمزًا للأمان والسيولة، مما جعله الخيار الأمثل للمستثمرين والحكومات على حد سواء.
ومع ذلك، تتزايد الشكوك حول مستقبل هذه الهيمنة، مع تصاعد الأصوات التي تنادي بتغيير قادم قد يُعيد رسم خريطة القوى الاقتصادية العالمية.
جوليان جيسوب، الخبير الاقتصادي المستقل، يلقي الضوء على هذه النقطة الحرجة، مشيرًا إلى أن الصين، بتنينها الاقتصادي الصاعد، قد تكون اللاعب الرئيسي في هذا السيناريو الجديد.
فمع اقتصادها المتنامي وتأثيرها المتزايد في الشؤون العالمية، تبدو بكين مستعدة لتحدي الوضع الراهن، وفي حين أن الدولار لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة الاحتياط الأولى، فإن العلامات التي تُشير إلى احتمال تزعزع هذه الثقة تتزايد، مما يُثير تساؤلات حول مدى استمرارية هذه الهيمنة في ظل التحديات الجديدة.
*بنك الشعب الصيني*
في سياق النظام المالي العالمي الذي يشهد تحولات متسارعة، تسعى البنوك المركزية في أرجاء المعمورة إلى إعادة هيكلة احتياطياتها النقدية، تتجه هذه البنوك إلى تقليص نصيب الأصول الأمريكية في محافظها الاستثمارية، مفسحة المجال أمام زيادة ملحوظة في استثماراتها بالذهب، الذي يُعد رمزًا للثبات والأمان في عالم متقلب.
بنك الشعب الصيني يبرز كرائد في هذا التوجه، مواصلًا عمليات شراء الذهب لفترة تجاوزت العام ونصف العام، مما يلقي الضوء على استراتيجية بكين الاقتصادية ويثير التكهنات حول أهدافها البعيدة المدى.
الصين لا تسير في هذا الطريق بمفردها، إذ تشاركها دول مثل تركيا والهند الرغبة في تعزيز احتياطياتها من المعدن الأصفر، وفقًا لأحدث البيانات الرسمية، اشترت تركيا بالفعل عددًا أكبر من الذهب في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام (حوالي 30 طنًا متريًا) مقارنة بالصين (27 طنًا)، ولم تتأخر الهند (18.5 طن) كثيرًا، هذه الخطوات تحمل في طياتها دلالات استراتيجية عميقة، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية التي تتصاعد بين الحين والآخر.
ويُنظر إلى الذهب على أنه وسيلة للتحصين ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما يُعد خطوة استباقية للدول التي قد تجد نفسها في مواجهة مع السياسات الأمريكية، كما هو الحال مع الاتجاه الذي اتخذته روسيا أخيرًا.
*النظام المالي الجديد*
من جانبه، يقول أحمد الخطاب الخبير الاقتصادي، إن مع تصاعد النقاش حول مستقبل الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، تتجه الأنظار نحو الذهب والعملات البديلة باعتبارها مرشحين محتملين لتولي هذا الدور البارز.
وحذر الخبير الاقتصادي في حديثه لـ"العرب مباشر" من التبسيط المفرط في هذه المسألة، مشيرًا إلى أن الدولار، على الرغم من التحديات الراهنة، قد يحتفظ بمكانته كعملة مهيمنة، ولكن مع تحول تدريجي قد يشهد تعزيزًا لأدوار عملات أخرى كاليورو والدولارين الأسترالي والكندي، مؤكدًا أن الوعي بالمخاطر الجيوسياسية والتطورات الاقتصادية يُعد أمرًا بالغ الأهمية للمستثمرين الذين يسعون للحفاظ على استقرار محافظهم الاستثمارية.
وتابع، لذلك يُنصح بمراقبة الإشارات الصادرة من بكين عن كثب، حيث يمكن أن تلعب الصين دورًا محوريًا في تحديد ملامح النظام المالي الجديد، في عالم يشهد تغيرات مستمرة، قد لا يظل الدولار الأمريكي الصخرة الصلبة التي اعتمد عليها الاقتصاد العالمي لعقود.