مؤتمر الحوار السوري.. مرحلة انتقالية وتحديات إعادة بناء الدولة

مؤتمر الحوار السوري.. مرحلة انتقالية وتحديات إعادة بناء الدولة

مؤتمر الحوار السوري.. مرحلة انتقالية وتحديات إعادة بناء الدولة
مؤتمر الحوار السوري

في خطوة تُعدّ محورية لمستقبل سوريا، انطلقت في قصر الشعب بدمشق أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري، بحضور مئات الشخصيات التي تمثل مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية.

 يأتي هذا المؤتمر في سياق مرحلة انتقالية معقدة، حيث تسعى الحكومة الجديدة لوضع أسس سياسية وقانونية لإعادة بناء الدولة بعد سنوات من النزاع. 

الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أكد، في كلمته الافتتاحية، على ضرورة تعزيز وحدة سوريا واستعادة سيادة الدولة على جميع مؤسساتها، مشددًا على أن السلاح يجب أن يكون حصريًا بيد الدولة، في إشارة إلى إنهاء حالة الفوضى التي خلفتها الحرب.

 في المقابل، أشار وزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى أهمية الانفتاح على المحيط الإقليمي، مطالبًا برفع العقوبات التي فرضت في عهد النظام السابق، ويطرح المؤتمر تساؤلات جوهرية حول مستقبل البلاد، بدءًا من العدالة الانتقالية وصولًا إلى إعادة هيكلة المؤسسات، في ظل تحديات داخلية وإقليمية معقدة.  


ترتيب المشهد الداخلي


افتتحت دمشق، صباح الثلاثاء، مؤتمر الحوار الوطني السوري، في محاولة لوضع إطار سياسي يعيد ترتيب المشهد الداخلي ويؤسس لمرحلة ما بعد النزاع.

 هذا الحدث، الذي يُعقد وسط ظروف استثنائية، يعكس سعي القيادة الانتقالية لتشكيل رؤية متكاملة حول مستقبل البلاد، وهو ما أكده الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في كلمته الافتتاحية، حيث شدد على أن سوريا "عادت إلى أهلها"، مؤكدًا أن التحديات التي تواجهها البلاد تتطلب تكاتفًا وطنيًا وحلولًا عملية.  

*أجندة المؤتمر: خارطة طريق لمستقبل سوريا

يهدف مؤتمر الحوار الوطني إلى معالجة ملفات حساسة، أبرزها: العدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري، وإعادة هيكلة المؤسسات، بالإضافة إلى ملف الحريات العامة والسياسية.

ووفق ما نشرته وكالة "سانا"، فإن النقاشات ستشمل أيضًا القضايا الاقتصادية وإعادة الإعمار، وهي محاور أساسية لضمان استقرار سوريا في المرحلة المقبلة.  

أكد الشرع، أن "وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة واجب لا تنازل عنه"، في إشارة إلى ضرورة استعادة الجيش للسيطرة الكاملة على الأراضي السورية. هذه التصريحات تحمل في طياتها رسالة واضحة للفصائل المسلحة بضرورة تسليم أسلحتها والاندماج في المؤسسات الرسمية.  

الملف الاقتصادي والعقوبات الدولية


من جهته، شدد وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، على أن العقوبات المفروضة على سوريا لم تعد مبررة بعد سقوط النظام السابق، داعيًا المجتمع الدولي لإعادة النظر في هذه العقوبات التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد السوري.

وأكد الشيباني، أن بلاده "تؤمن بالعمل الإقليمي والتعاون مع دول الجوار لتحقيق الاستقرار"، في خطوة تعكس توجه الحكومة الجديدة نحو إعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي.

في هذا السياق، يرى خبراء اقتصاديون، أن رفع العقوبات قد يفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إصلاحات سياسية وضمانات دولية بعدم عودة الفساد والاحتكار إلى مفاصل الدولة. 
 
أما رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، ماهر علوش، فقد اعتبر أن الثورة كانت مرحلة، وأن البلاد تحتاج الآن إلى مرحلة جديدة تركز على بناء المؤسسات وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع. 

وأكد علوش أن مؤتمر الحوار يأتي استكمالًا لمؤتمر النصر، في إشارة إلى المرحلة السياسية الجديدة التي تحاول الحكومة ترسيخها.  

وبحسب مصادر مطلعة، فإن إحدى التحديات الأساسية التي تواجه المؤتمر هي القدرة على إقناع جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضين في الخارج، بالمشاركة في صياغة مستقبل سوريا، خاصة في ظل الانقسامات العميقة التي خلفها النزاع.  

تحديات المرحلة الانتقالية


على الرغم من التفاؤل الرسمي بنجاح الحوار الوطني، ما تزال هناك تحديات كبرى تلوح في الأفق. فمن جهة، لم يتم التوصل إلى توافق كامل بشأن بعض القضايا الجوهرية مثل دور المعارضة في المرحلة المقبلة، وآليات تحقيق العدالة الانتقالية.

ومن جهة أخرى، ما يزال الملف الأمني يشكل تهديدًا حقيقيًا، حيث توجد جماعات مسلحة لم تعلن بعد عن موقفها النهائي من مشروع المصالحة المطروح.  

من جانبه يقول المحلل السياسي السوري أحمد محرم: إن مؤتمر الحوار الوطني في دمشق يمثل خطوة أولية في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يزال يواجه تحديات جوهرية تعوق تحقيق نتائج ملموسة. 

ويشير محارم في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن نجاح أي عملية حوار سياسي يتطلب مشاركة فعلية من جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك المعارضة في الداخل والخارج، لضمان أن يكون الحوار شاملًا وليس مجرد مبادرة شكلية.

ويؤكد المحلل السياسي السوري، أن العقبة الأساسية تكمن في انعدام الثقة بين الأطراف السورية المختلفة، نتيجة سنوات من الصراع العنيف والانقسامات العميقة داخل المجتمع، كما يحذر من أن احتكار السلاح بيد الدولة، رغم كونه هدفًا مشروعًا، قد يواجه رفضًا من بعض الفصائل المسلحة التي ما تزال متخوفة من غياب ضمانات حقيقية لعملية المصالحة.

أما على الصعيد الاقتصادي، فيرى محارم، أن رفع العقوبات يتطلب خطوات إصلاحية ملموسة، تشمل مكافحة الفساد وإعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة تضمن توزيعًا عادلًا للثروة.

ويضيف: "المجتمع الدولي يترقب هذا المؤتمر بحذر، وسيراقب ما إذا كانت القيادة الانتقالية قادرة على تنفيذ تعهداتها أم أن هذا المؤتمر سينتهي كسابقاته دون تغيير حقيقي".