تكبيرات العيد تخنقها المدافع.. أضحى بلا فرحة في غزة والسودان

تكبيرات العيد تخنقها المدافع.. أضحى بلا فرحة في غزة والسودان

تكبيرات العيد تخنقها المدافع.. أضحى بلا فرحة في غزة والسودان
حرب غزة

بينما يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى، تختبر شعوب الحروب معنى مختلفًا للعيد، تغيب عنه مظاهر الفرح وتحضره ظلال الموت والنزوح، في غزة، لا تُسمع تكبيرات العيد، بل دويّ القذائف، ولا تُذبح الأضاحي، بل تُدفن الجثث تحت الأنقاض، وفي السودان، لا توزع الحلوى، بل تُوزع مآسي التشريد والجوع على ملايين الفارين من جحيم الحرب، في كلا البلدين، انقلبت أيام العيد إلى لحظات انتظار مرير: انتظار هدنة لا تأتي، أو لقمة تسد الجوع، أو خبر من مفقودين تحت الأنقاض، هذه ليست مجرد مناسبات حزينة، بل لحظات تختزل مأساة أمة بأكملها، حيث الأطفال لا يعرفون طعم الحلوى، والنساء يخبئن دموعهن في ظلال الخيام، والرجال يحملون أملًا هشًا بالنجاة. 

في هذا العيد، تذبح الطائرات كل طقوس الفرح، وتُهدر كرامة الإنسان تحت وطأة الجوع والخوف، إنه عيد بلا عيد، واحتفال تختلط فيه صلاة العيد بنداءات الاستغاثة.

*غزة.. أضحى تحت القصف*


في بقاعٍ مشتعلة من العالم العربي، تُختزل الأعياد في دخان الانفجارات وآهات الجوع، لا تُرفع فيها الزينات، بل تُرفع الجثامين، ولا تذبح فيها الأضاحي بل يموت الأطفال جوعًا، ولا تصدح فيها المآذن بالأدعية وحدها، بل تختلط صلوات الناس بأصوات الطائرات والدبابات.

منذ أكثر من 600 يومٍ، ترزح غزة تحت واحدة من أطول وأعنف الحروب في تاريخها. لم يعد العيد يحمل أي ملمح من الفرح، بعد أن تلاشى العمران، وتحوّلت البيوت إلى ركام، والفرح إلى ذكرى بعيدة.

يروي شهود من داخل القطاع كيف تحوّلت الشواطئ، التي كانت يومًا مصدرًا للبهجة، إلى ملاذ مؤقت لعشرات آلاف النازحين، المخيمات التي نُصبت على الرمال لا تحمي من حر الصيف، ولا تصدّ قسوة القصف، لكنها صارت الملجأ الوحيد لمن لم يجد سقفًا فوق رأسه.

وتُظهر إحصائيات غير رسمية، أن 88% من البنية التحتية في غزة تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي، ما حوّل المدن إلى مساحات مهجّرة خالية من مقومات الحياة.

ومع توقف الكهرباء بشكل شبه كامل، وانعدام المياه الصالحة للشرب، عادت غزة فعليًا إلى "العصر الحجري"، كما سعت إسرائيل، وفق محللين، لإعادتها بشكل متعمد ومنهجي.

الواقع الصحي لا يقل قتامة، تقول الأمم المتحدة: إن القطاع بات "أكثر الأماكن جوعًا على وجه الأرض"، إذ يموت الأطفال بسبب سوء التغذية، وتفتقر المستشفيات للأدوية والأجهزة، أكثر من 240 شخصًا، بينهم أطفال ومرضى مزمنون، قضوا نتيجة نقص الغذاء والدواء، الجوع لا يهدد حياة الأفراد فحسب، بل يفتك أيضًا بما تبقى من تماسك اجتماعي وإنساني.

حتى فترات الهدنة القصيرة، مثل تلك التي أُعلن عنها في يناير 2025، لم تكن سوى استراحة لالتقاط الأنفاس قبل عودة المأساة، فقد انسحبت القوات الإسرائيلية جزئيًا حينها، فعاد السكان إلى حطام بيوتهم، نصبوا الخيام في باحات البيوت المهدّمة، لكن القصف ما لبث أن استؤنف، ليجبرهم على النزوح مجددًا، في دوامة لا تنتهي من التشريد والرعب.

*السودان.. النار لا تهدأ*


أما في السودان، حيث اشتعلت الحرب منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، فقد أصبح العيد عنوانًا للفقد والشتات، تقول الأمم المتحدة: إن أكثر من 13 مليون سوداني شُرّدوا داخليًا أو عبروا الحدود إلى دول الجوار، في واحدة من أخطر أزمات النزوح في العالم.

المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين وصفت الوضع بأنه "كارثي"، مشيرة أن أربعة ملايين شخص عبروا الحدود فرارًا من جحيم الحرب، وترافق هذا النزوح مع انتشار المجاعة في مناطق واسعة من دارفور وكردفان، بينما تعجز الوكالات الإنسانية عن الوصول إلى ملايين المحتاجين بسبب انعدام الأمن.

وصف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الأزمة السودانية بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في العالم"، مشددًا على أنها تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي. ومع تصاعد القتال في العاصمة الخرطوم وامتداده إلى المدن الإقليمية، لم يعد للسودانيين ملجأ سوى العراء أو المخيمات العشوائية التي تفتقر لأبسط المقومات.

تُروى قصص الناجين كأنها صفحات من ملاحم حزينة: أم تفقد ثلاثة من أطفالها في قصف على سوق مزدحم، أو مزارع يترك حقله ليهرب من القتال، ولا يجد سوى صحراء قاحلة تؤويه. أما المدن، فقد تحوّلت إلى خرائب، تملؤها رائحة الدم والبارود.

*أضحى الغضب.. وعيد الكارثة*


في غزة كما في السودان، لا يتعلق الأمر بحرب عابرة، بل بنمط من الحصار والتدمير الممنهج الذي يستهدف استئصال مقومات البقاء، وبينما تُذبح الأضاحي في بقاع آمنة من العالم، تُذبح في هذه المناطق الكرامة والطفولة والإنسانية.

العيد الذي يُفترض أن يكون رمزًا للتضحية والرحمة والتكافل، أصبح مناسبة لتسجيل المزيد من الانهيارات، والتمعّن في عمق الجرح العربي.