بن غفير يُشعل فتيل التوتر.. حرب على الأذان قبل عيد الأضحى
بن غفير يُشعل فتيل التوتر.. حرب على الأذان قبل عيد الأضحى

في وقت يتأهب فيه المسلمون حول العالم لاستقبال عيد الأضحى، اختار وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، أن يُثير موجة جديدة من الاستفزازات الدينية، هذه المرة، لم يكن هدفه سياسيًا أو أمنيًا بحتًا، بل صوت الأذان ذاته، أحد أركان الحضور الإسلامي في المشهد العام، فمن خلال اجتماع طارئ مع قادة الشرطة، طالب الوزير المتشدد باتخاذ إجراءات صارمة للحد من رفع الأذان في البلدات العربية، متذرعًا بـ"شكاوى الضجيج"، خطوة وصفتها حركة حماس بأنها اعتداء سافر على مقدسات المسلمين، وتحذير واضح من أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، ومع تصاعد حدة المواقف وتباين الرؤى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تبدو البلاد أمام أزمة جديدة تتجاوز الصوت لتصل إلى عمق الهوية.
*ضوضاء دينية*
في تحركٍ مفاجئ عشية عيد الأضحى، صعّد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير من سياساته المثيرة للجدل، باستهدافه المباشر لرفع الأذان في المساجد داخل المدن والبلدات العربية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال.
ووفقًا لمصادر إسرائيلية، عقد بن غفير اجتماعًا عاجلًا في مكتبه مع كبار قادة الشرطة، خصّصه لمناقشة ما وصفه بـ"ظاهرة الضوضاء الدينية"، مطالبًا باتخاذ إجراءات مشددة تجاه المساجد التي ترفع الأذان بمكبرات الصوت.
وظهر بن غفير -خلال الاجتماع- في موقف متوتر، حيث وبخ الضباط بشدة على ما اعتبره "تقصيرًا فاضحًا" في تطبيق رؤيته الأمنية، مؤكدًا أن تعيينهم جاء لتنفيذ سياساته، لا لتجاهلها.
وقد تلقى قائد شرطة المنطقة الوسطى، يائير هزروني، إشادة خاصة من الوزير بعد أن بادر بفرض غرامات مالية على عددٍ من المساجد التي لم تستجب لتوجيهات جديدة تتعلق بخفض صوت الأذان أو وقفه تمامًا خلال أوقات معينة.
*رد حماس*
هذا القرار، الذي لم يُعلن عنه رسميًا كقانون جديد، أثار موجة غضب داخل المجتمع العربي في الداخل المحتل، وتحديدًا من القوى الدينية والوطنية، التي رأت فيه تصعيدًا غير مبرر وخرقًا واضحًا للحقوق الدينية المكفولة قانونيًا.
وقالت حركة حماس -في بيان رسمي-: إن "هذه الخطوة تمثل استفزازًا سافرًا لمشاعر المسلمين في كل مكان، واعتداء مباشرًا على شعائر دينية مقدسة"، محذرةً من "تداعيات لا يمكن التنبؤ بها إذا استمرت حكومة الاحتلال في هذه السياسات العدوانية".
المثير للانتباه، أن الخطوة التي اتخذها بن غفير تتعارض صراحةً مع وثيقة المبادئ الموقعة بينه وبين المستشارة القانونية للحكومة، جالي بهاراف ميارا، والتي تقيد صلاحياته وتمنعه من التدخل في القرارات التشغيلية الخاصة بجهاز الشرطة.
ويبدو أن هذا التعارض القانوني قد أوجد فجوة داخل المؤسسة الأمنية نفسها، إذ نقلت صحيفة هآرتس العبرية عن مصادر في الشرطة قولها: إن "بعض الضباط عبروا عن قلقهم من أن تطبيق هذه التعليمات قد يؤدي إلى توترات واسعة النطاق في البلدات العربية، لا سيما في ظل غياب مفوض الشرطة داني ليفي عن الاجتماع، وهو غياب نادر في اجتماعات حساسة كهذه".
*الشرطة الإسرائيلية ضد القرار*
وقد قرأ مراقبون غياب المفوض ليفي على أنه تعبير ضمني عن رفضه للمسار الذي يتبناه بن غفير، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الداخلية لسياسات الوزير المتشدد، الذي لم يتردد في توجيه الاتهامات للشرطة بـ"التقاعس"، متجاوزًا بذلك التقاليد المؤسسية التي تحكم العلاقة بين الوزارة والأجهزة الأمنية.
من جانبه، لم يتراجع مكتب بن غفير عن مواقفه، بل أصدر بيانًا برر فيه الخطوة، مشيرًا أنها جاءت استجابة لسؤال برلماني حول "الضوضاء الناتجة عن مكبرات الصوت في المساجد"، وأنه من حق الوزير بل من واجبه التحقيق في هذه الادعاءات ومطالبة الشرطة بتطبيق القانون، على حد تعبير البيان.
لكن خلف هذه التصريحات التقنية تكمن أبعاد سياسية ودينية أعمق، إذ يرى محللون أن استهداف الأذان ليس مجرد مسألة "ضجيج"، بل يأتي ضمن سياق أوسع يسعى فيه بن غفير لإعادة تشكيل الفضاء العام في المدن المختلطة والبلدات العربية بما يتماشى مع رؤيته القومية المتشددة.
كما أنه يراهن، بحسب مراقبين، على توظيف هذه القضايا كأوراق رابحة لتعزيز رصيده السياسي بين أوساط اليمين المتطرف في إسرائيل.
وفي ظل هذه التطورات، يخشى كثيرون من أن يؤدي هذا القرار إلى اندلاع موجة احتجاجات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، خصوصًا إذا رافقتها خطوات تنفيذية أكثر صرامة خلال الأيام القادمة.
أما في قطاع غزة، فإن حركة حماس تُبقي ردها "مفتوحًا على كل الخيارات"، بحسب ما نقله مصدر إعلامي مقرب منها، الأمر الذي ينذر بأن التصعيد قد لا يبقى محصورًا في الجانب الرمزي والديني، بل قد يفضي إلى انفجار ميداني حقيقي، تتداخل فيه حدود العقيدة والسياسة والمقاومة.
*مشروع أيديولوجي طويل المدى*
من جانبه، يقول الدكتور نزار نزال، المحلل السياسي الفلسطيني: إن الخطوة التي أقدم عليها إيتمار بن غفير لا يمكن فصلها عن مشروع أيديولوجي طويل المدى يستهدف طمس الهوية العربية والإسلامية.
ويضيف لـ"العرب مباشر"، صوت الأذان بالنسبة للفلسطينيين في الداخل ليس مجرد نداء ديني، بل هو رمز للصمود الثقافي والوجودي في وجه سياسات التهويد الممنهجة.
وما يقوم به بن غفير هو استكمال لمحاولة السيطرة على الحيز العام وفرض نمط ديني قومي يهودي واحد، في تناقض صارخ مع الحريات الدينية التي تدعيها إسرائيل".
ويتابع نزال: بن غفير يعرف أن قراره لن يكون له سوى تأثير رمزي في المرحلة الأولى، لكنه يعتمد على تراكم هذه الرموز لخلق بيئة سياسية وأمنية تُقصي الفلسطينيين من المجال العام وتدفعهم إلى التهميش الذاتي.
كما أن استهداف الأذان في هذا التوقيت، قبل عيد الأضحى، يحمل رسائل عدائية تهدف لاستفزاز المشاعر وجر الشارع إلى ردود فعل قد تُستخدم لاحقًا لتبرير المزيد من القمع".
ويختم بالقول: "المشكلة ليست في صوت الأذان، بل في العقلية التي ترى في وجود الفلسطينيين خطرًا ينبغي إسكاته بكل وسيلة ممكنة".