دواء منتهي الصلاحية.. آخر ما تبقى للمرضى في غزة

دواء منتهي الصلاحية.. آخر ما تبقى للمرضى في غزة

دواء منتهي الصلاحية.. آخر ما تبقى للمرضى في غزة
حرب غزة

في شوارع غزة المحاصرة، لا يكاد يمر يومٍ دون أن يسجل فصل جديد من فصول المعاناة، حيث لم تعد أزمة الدواء تقتصر على نقصه، بل تجاوزت إلى مرحلة أكثر قسوة، عنوانها: "دواء منتهي الصلاحية أم موت محقق؟".

 منذ اندلاع الحرب الأخيرة وإغلاق المعابر، أصبح الحصول على علاج بسيط حلمًا يراود المرضى، خاصة من يعانون من أمراض مزمنة، أطباء يقفون عاجزين، وصيادلة يوزعون أدوية رغم علمهم بمرور صلاحيتها، ووزارة الصحة تناور ما استطاعت ضمن هامش شبه معدوم، أما إسرائيل، فهي مستمرة في فرض حصار خانق يمنع دخول الإمدادات الحيوية، وسط هذا الواقع، تظهر ملامح كارثة إنسانية تهدد آلاف الأرواح، بينما يواصل المجتمع الدولي صمته المدوي. 

*قطع المساعدات*


مع دخول الحرب على قطاع غزة شهرها السابع، يتفاقم المشهد الصحي إلى مستويات غير مسبوقة، إذ لم يعد المرضى يتلقون علاجًا ملائمًا، بل يجدون أنفسهم أمام خيار مرير: تناول أدوية منتهية الصلاحية أو مواجهة شبح الموت. فبعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة وتبادل الأسرى، أغلقت إسرائيل المعابر بشكل تام، ما قطع شريان المساعدات الإنسانية، وفي مقدمتها الإمدادات الطبية.

*أدوية منتهية الصلاحية*


في حديثه المؤلم، يقول "خالد علي"، وهو مريض بضغط الدم والسكري: "لم أعد أجد أدويتي في أي مكان، منذ أسابيع، بدأت أتناول ما بقي لدي، رغم انتهاء صلاحيته، فإما هذا أو الموت البطيء".

ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أخشى الأعراض الجانبية، لكن لا خيار لدي، ويؤكد أنه استشار أطباء نصحوه بالتقليل من استخدام الدواء القديم، ولكنهم في الوقت نفسه عاجزون عن تقديم بديل.

يتطابق كلامه مع ما كشفه أحد الأطباء العاملين في مستشفى الشفاء بغزة، مفضلًا عدم الكشف عن اسمه، حيث أشار أن "نسبة كبيرة من الأدوية المتوفرة حاليًا منتهية الصلاحية، ومع ذلك نضطر لاستخدامها في ظل غياب البدائل".

وأوضح الطبيب، أن بعض الأدوية تبقى فعالة لبضعة أشهر بعد انتهاء صلاحيتها، بشرط عدم تغير خصائصها الفيزيائية، مثل اللون أو الرائحة أو تماسك الحبة.

لكنه حذر من المضادات الحيوية والهرمونات، مؤكدًا أنها لا تصلح للاستخدام بعد انتهاء صلاحيتها بسبب تحلل مكوناتها النشطة.

ما يثير القلق أن هذه الممارسات لم تعد حالات فردية، بل تحوّلت إلى سياسة مضطرة تتبناها وزارة الصحة في غزة، حيث أكد القائم بأعمال مدير عام الصيدلة، زكري أبو قمر، أن القطاع فقد ما يقرب من 40% من أدويته الأساسية، وقرابة 60% من المستهلكات الطبية.

هذا الانهيار في البنية الطبية يهدد حياة آلاف المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض الكلى، والسرطان، وأمراض القلب المزمنة.

ويشير أبو قمر، أن الوزارة اضطرت، في حالات محددة، إلى تمديد صلاحية بعض الأدوية التي خضعت لدراسة فنية من لجنة الجودة، خصوصًا تلك التي يؤدي غيابها إلى تهديد مباشر لحياة المرضى.

لكنه شدد على أن هذا الإجراء استثنائي ومشروط بعدم تغير خصائص الدواء، أما الأدوية ذات السمية العالية أو التأثير الهرموني، فلا يتم صرفها مطلقًا بعد انتهاء صلاحيتها.

*بيانات قلق دون تحرك*


هذا الواقع المظلم يسلط الضوء على أبعاد متعددة للأزمة، تبدأ من الانهيار اللوجستي للقطاع الصحي، ولا تنتهي عند تعنت إسرائيلي يحرم المدنيين من أبسط حقوقهم.

 إذ لا تسمح إسرائيل بدخول الإمدادات الطبية إلا بكميات محدودة لا تكفي لسد جزء بسيط من الحاجة. ومع تصاعد الضغط الدولي على الأطراف المتحاربة، تكتفي المؤسسات الدولية بإصدار بيانات القلق دون تحرك فعلي لرفع الحصار أو إجلاء المرضى.

في الخلفية، تتعالى أصوات المجتمع المدني في غزة مطالبة بتدخل عاجل من المنظمات الإنسانية والطبية حول العالم.

فالوقت، كما يقول الأطباء، لم يعد في صالح أحد، وكل يوم تأخير يعني مزيدًا من الوفيات التي يمكن تفاديها لو توفرت الأدوية والمستلزمات.

في المحصلة، تتجه غزة نحو انهيار صحي شامل إذا لم تتغير المعادلة قريبًا. ورغم قسوة المشهد، فإن استمرار هذا الواقع يضع العالم بأسره أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية، تتطلب التحرك لا التنديد فقط. فحين يصبح تناول دواء منتهي الصلاحية خيارًا منطقيًا، فإن الحديث لم يعد عن أزمة مؤقتة، بل عن جريمة متواصلة.