أوكرانيا تلجأ إلى تبادل المتعاونين مع روسيا.. خطوة يائسة لتحرير مدنييها
أوكرانيا تلجأ إلى تبادل المتعاونين مع روسيا.. خطوة يائسة لتحرير مدنييها

أكدت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أنه في خطوة وصفتها منظمات حقوق الإنسان باليائسة والمثيرة للقلق، أرسلت أوكرانيا العشرات من مواطنيها إلى روسيا الشهر الماضي، بعد إطلاق سراحهم من السجون، في محاولة لتأمين إطلاق سراح عشرات المدنيين الأوكرانيين المحتجزين بشكل غير قانوني في السجون الروسية.
ووفقًا للحكومة الأوكرانية، تم إطلاق سراح 70 مواطنًا أوكرانيًا مدانين بالتعاون مع روسيا، ضمن عملية تبادل أسرى بنسبة "ألف مقابل ألف" بين كييف وموسكو.
أوضحت الحكومة الأوكرانية، أن جميع هؤلاء الأفراد اختاروا المنفى طواعية إلى روسيا، كجزء من برنامج حكومي يتيح للمدانين بالتعاون مع روسيا خيار الانتقال إلى هناك. ومع ذلك، أثارت هذه الخطوة انتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان والمحامين الدوليين، الذين اعتبروا البرنامج إشكاليًا، ويتناقض مع تصريحات سابقة للحكومة الأوكرانية، بل وقد يعرض المزيد من الأشخاص لخطر الاختطاف من قبل القوات الروسية.
"أريد الذهاب إلى موطني"
أطلقت أوكرانيا العام الماضي برنامجًا يحمل اسم "أريد الذهاب إلى موطني"، تحت إشراف المقر التنسيقي لمعاملة أسرى الحرب، وبالتعاون مع وزارة الدفاع، وجهاز الأمن، ومفوض حقوق الإنسان في البرلمان.
ويوفر البرنامج خيارًا للمدانين بالتعاون مع روسيا للانتقال إلى روسيا مقابل إطلاق سراح مدنيين أوكرانيين محتجزين.
ويعرض الموقع الإلكتروني للبرنامج صورًا ومعلومات شخصية عن حوالي 300 مواطن أوكراني سجلوا في البرنامج، حيث تم تمييز ملفات 31 منهم بعلامة تحمل صورة حقيبة سفر وكلمات "قد غادر"، مع ملاحظة تفيد بأنهم "غادروا إلى روسيا بينما عاد الأوكرانيون الحقيقيون إلى الوطن".
وقالت أونيسيا سينيوك، المحللة القانونية في منظمة "زمينا" لحقوق الإنسان الأوكرانية، إنها تتفهم الدافع وراء هذه الخطوة، حيث يتوق الجميع لإطلاق سراح المحتجزين في روسيا بأسرع ما يمكن، لكنها أكدت أن الحل المقترح "ليس الخيار الصحيح على الإطلاق".
وضع المدنيين المحتجزين في روسيا
وفقًا للسلطات في كييف، يُعرف أن هناك ما لا يقل عن 16 ألف مدني أوكراني محتجزون في روسيا، على الرغم من أن العدد الحقيقي مرجح أن يكون أعلى بكثير.
كما يُسجل رسميًا اختفاء حوالي 37 ألف أوكراني، بما في ذلك مدنيون وأطفال وأفراد من الجيش.
يتم احتجاز العديد من هؤلاء في الأراضي المحتلة، ويُحتجزون لأشهر أو حتى سنوات دون توجيه تهم أو محاكمة، ثم يتم ترحيلهم إلى روسيا.
وتشمل هذه الفئة نشطاء، صحفيين، رجال دين، سياسيين، وقادة مجتمعيين، بالإضافة إلى أشخاص تم اختطافهم بشكل عشوائي من قبل القوات الروسية عند نقاط التفتيش أو في أماكن أخرى في الأراضي المحتلة.
ووفقًا للقوانين الدولية للنزاعات، فإن احتجاز المدنيين من قبل قوة احتلال يُعد غير قانوني، باستثناء حالات محددة جدًا وبحدود زمنية صارمة.
ونتيجة لذلك، لا يوجد إطار قانوني مُحدد لمعاملة وتبادل المدنيين المحتجزين بنفس الطريقة المتبعة مع أسرى الحرب.
رفض روسيا الالتزام بالقوانين الدولية
في بعض الحالات، ادّعت روسيا أن المدنيين الأوكرانيين المحتجزين لديها هم أسرى حرب ويجب أن تعترف أوكرانيا بهم كذلك.
لكن كييف ترفض هذا التصنيف، خشية أن يؤدي ذلك إلى تعريض المدنيين في المناطق المحتلة لخطر الاحتجاز العشوائي من قبل روسيا لزيادة عدد المحتجزين لديها لاستخدامهم في عمليات التبادل المستقبلية.
وفي تصريحات سابقة لشبكة "سي إن إن"، أكد مفوض حقوق الإنسان الأوكراني دميترو لوبينتس أن روسيا تحتجز الأوكرانيين كرهائن لاستخدامهم كأوراق مساومة، ورفض فكرة تبادل المدنيين كجزء من عمليات تبادل الأسرى.
وحاولت كييف حشد حلفائها لزيادة الضغط على روسيا، وسعت لإقناع موسكو بالإفراج عن المدنيين المحتجزين من خلال دول ثالثة، على غرار عودة بعض الأطفال الأوكرانيين بمساعدة قطر وجنوب إفريقيا والفاتيكان.
كما دعت منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مرارًا موسكو للإفراج غير المشروط عن المدنيين المحتجزين، لكن روسيا تجاهلت هذه المناشدات.
انتقادات حقوقية للبرنامج
تدعو منظمات حقوق الإنسان الحكومة الأوكرانية إلى مواصلة الضغط من أجل الإفراج غير المشروط عن المدنيين.
وقالت يوليا غوربونوفا، الباحثة البارزة في شؤون أوكرانيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه "بموجب القانون الإنساني الدولي، لا يمكن الحديث عن تبادل المدنيين، بل يجب الإفراج عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني دون شروط".
وأضافت: أن الوضع العملي معقد لأن روسيا لا تلتزم بالقوانين الدولية؛ مما يجعل إدراج المدنيين في قوائم التبادل الأمل الرئيسي لعودتهم.
من جانبه، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أثناء إعلانه عن عملية التبادل "ألف مقابل ألف"، إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى استعادة بعض المدنيين المحتجزين دون الحاجة إلى تصنيفهم كأسرى حرب.
وشكر زيلينسكي أجهزة إنفاذ القانون الأوكرانية على إضافتهم "المتخربين والمتعاونين الروس" إلى صندوق التبادل، كما شكر الجنود الأوكرانيين على أسرهم للقوات الروسية في الجبهات.
تحديات ونتائج البرنامج
ومع ذلك، يبدو أن البرنامج لم يحقق النتائج المرجوة. وأوضح بيترو ياتسينكو من المقر التنسيقي لمعاملة أسرى الحرب، أن أوكرانيا لم تكن تعلم مسبقًا من سيتم إعادتهم في عملية التبادل.
وشملت المجموعة التي عادت إلى أوكرانيا 60 مدنيًا على الأقل كانوا مدانين بجرائم جنائية لا علاقة لها بالحرب.
ووفقًا لنائب رئيس المقر، أندريه يوسوف، كان العديد من هؤلاء قد أدينوا من قبل المحاكم الأوكرانية وكانوا يقضون عقوباتهم في السجون الأوكرانية عندما شنت روسيا غزوها الشامل في فبراير 2022 واحتلت المناطق التي كانوا محتجزين فيها.
وبعد انتهاء عقوباتهم، كان من المفترض أن تقوم السلطات الروسية بترحيلهم إلى أوكرانيا، لكنها احتجزتهم بشكل غير قانوني في مراكز احتجاز مخصصة عادة للمهاجرين غير الشرعيين، ولم تفرج عنهم إلا ضمن عملية التبادل.
ومن جانبها، وصفت مفوضة حقوق الإنسان الروسية تاتيانا موسكالكوفا المتعاونين الأوكرانيين الذين تم إرسالهم إلى روسيا بـ"السجناء السياسيين"، لكنها لم تقدم تفاصيل إضافية حول هويتهم أو مصيرهم المستقبلي.
انتقادات لقانون مكافحة التعاون
أثارت القوانين الأوكرانية المتعلقة بمكافحة التعاون مع روسيا جدلًا واسعًا.
وفي تقرير سابق، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذا القانون، واصفة إياه بأنه "معيب".
وقالت غوربونوفا: إن المنظمة حللت حوالي 2000 حكم قضائي، ووجدت أنه بينما كان هناك متعاونون حقيقيون بين المدانين، فإن العديد منهم كانوا أشخاصًا "لا ينبغي، بموجب القانون الإنساني الدولي، أن يتم ملاحقتهم قضائيًا".
وأشارت، أن بعض الحالات شملت أشخاصًا لم يتسببوا في ضرر يُذكر أو لم يكن لديهم نية للإضرار بالأمن القومي، مثل موظفين في الخدمة العامة استمروا في أداء وظائفهم بعد احتلال مناطقهم، كمساعدة المرضى أو ذوي الإعاقة، أو توزيع المساعدات الإنسانية، أو العمل كمعلمين أو رجال إطفاء أو عمال نظافة.
وأضافت غوربونوفا، أن هذا التشريع "غامض للغاية"، مما يجعل مجموعة واسعة من الأنشطة التي يقوم بها الأشخاص تحت الاحتلال مؤهلة لتصنيفها كتعاون، وهو أمر "مقلق وإشكالي".
كما أعربت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها إزاء الطريقة التي تُعامل بها الحكومة الأوكرانية هؤلاء المواطنين، خاصة مع استخدام عبارات مثل: "الأوكرانيون الحقيقيون"، في وصف المحتجزين الذين يتم إعادتهم، وهو ما اعتبرته سينيوك "غير مقبول" أخلاقيًا، مؤكدة أن هؤلاء الأفراد ما يزالون مواطنين أوكرانيين.