باستخدام "بي إن سبورت".. هكذا تواطأت قطر مع أردوغان لقمع معارضيه
تتواطيء قطر مع أردوغان لقمع المعارضة التركية باستخدام بي إن سبورت
كشفت صحيفة "نورديك مونيتور" في تحقيق استقصائي جديد عن فصول التآمر بين قطر وتركيا ضد معارضي الرئيس رجب طيب أردوغان والتنكيل بهم إلى حد الزج بهم في السجون من خلال قضايا صورية، باستخدام مجموعة قنوات "بي إن سبورت" المتخصصة في البرامج والأخبار الرياضية، والتي تديرها الدوحة.
وجاء في التحقيق الذي ضم وثائق سرية وقضايا قانونية بالمئات أن نظام أردوغان استخدم شركتين تركيتين مملوكتين له، باعتبارها فروعًا لمجموعة "بي إن سبورتس" منذ عام 2016، حيث عملت الشركتان على إلغاء اشتراكات معارضي أردوغان ومنتقديه المدفوعة، حتى تعطي للنظام التركي ما يشبه الدلائل من بيانات المستخدمين، لتسوغ له استخدامها في المحاكم وسجن المعارضين.
من واقع السجلات التجارية
واستندت شبكة "نورديك مونيتور" في تقريرها إلى وثائق من بيانات السجل التجاري التركي، والتي تظهر أن النظام التركي يمتلك شركتين مقرهما إسطنبول، وتستخدم العلامة التجارية "ديجي تورك" وديجيتال بلات فورم" و"كريا أيتشريك".
ويوضح التحقيق كيف تحولت "ديجيتورك" إلى مقصلة سياسية بيد أردوغان، خصوصا بعدما خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم الأغلبية في انتخابات يونيو 2015، وذلك للمرة الأولى بعد 13 عامًا من الاستئثار بالحكم بحزب واحد.
وقالت "نورديك مونيتور"، إنه بدلا من أن يسعى أردوغان لإصلاح مساره السياسي والتحالف مع أحزاب المعارضة على نحو سليم، دعا أردوغان لانتخابات مبكرة، في محاولة لقلب خسارته فوزا.
وأضافت الصحيفة السويدية أن الرئيس التركي سعى بذلك إلى محاولة السيطرة على المشهد الإعلامي، وتقييد وصول أحزاب المعارضة إلى الناخبين عبر شبكات التلفزيون خلال الحملة، لافتة إلى استخدامه لشركة “ديجيتورك” لتقويض قنوات التلفزيون التي تنقل صوت المعارضة.
وتكشف الوثيقة القانونية التي نشرها "نورديك مونيتور" عن رد فعل عنيف من مشتركي “ديجيتورك”، حيث شنت الشركة حملة إلغاء للاشتراكات في “ديجيتورك”، إذ إن المنصة نفذت تعليمات أردوغان غير القانونية، وبدأت منصة الأقمار الصناعية الرقمية وقف تزويد سبع محطات تلفزيونية، بما في ذلك القنوات الإخبارية الشعبية والناقدة للحكومة Bugün TV و Samanyolu Haber في 8 أكتوبر 2015.
وبناء على ذلك، تسببت خطوة الشركة المثيرة للجدل، والتي جاءت موقوتة قبل الانتخابات العامة المفاجئة في 1 نوفمبر 2015، في انتقادات من دوائر مختلفة، بما في ذلك السياسيون وجمعيات المستهلكين والمنظمات الصحفية وغيرها.
واضطر الكثيرون إلى إنهاء اشتراكاتهم مع الشركة كنوع من الاحتجاج، وتشير الصحيفة هنا إلى أن المنصة كانت تملك ما يقرب من 3 ملايين مشترك في ذلك الوقت، ما يعني أن انسحابهم الجماعي كان ضربة للمعارضة السياسية في خضم الحملة الانتخابية.
وأضافت أنه بعد أيام من هذه الخطوة، ألغى مشغل الأقمار الصناعية المملوك للدولة خدماته عن وسائل الإعلام التي تنتقد الحكومة، فيما دخل حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي (CHP) إلى الاحتجاج ودعا إلى إلغاء اشتراكات “ديجيتورك” لفروع الحزب وأعضائه.
وأشارت “نورديك مونيتور”، إلى تسلسل ملكية “ديجيتورك” المثيرة للجدل، حيث كانت الشركة قبل بيعها للشركة القطرية، مملوكة بنسبة 53% من أسهمها لشركة “جوكوروفا” القابضة التركية، و47% لمجموعة الأسهم الخاصة الأميركية “بروفيدنس إيكويتي بارتنرز”.
وأضافت أنه في عام 2013 أصبحت الشركة مملوكة لأردوغان بعدما استولى عليها صندوق تأمين ودائع الادخار التركي (TMSF) وأخذ حصة “جوكوروفا” بسبب ديونها للوكالة الحكومية.
وبحسب التحقيق الاستقصائي، تعد قصة بيع “ديجيتورك” لمجموعة “بي إن” قصة مثيرة للجدل، إذ تمت الصفقة وقت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا في 14 يوليو 2015.
ووقتها اعتبر الكثيرون أن قرار تسليم ”ديجيتورك“ إلى شركة قطرية دون طرح مناقصة أمر غير مألوف وخارج الأعراف التجارية، خصوصا أن العديد من الشركات المحلية كانت مهتمة بامتلاك أسهم هذه الشركة تحديدا، بما فيها مجموعتا ”دوغان“ و“ساينر“ الإعلاميتان.
وبذلك، أثارت الصفقة الكثير من الريبة بشأن شفافية المعاملات العامة، وقيل يومها إن القيمة السوقية لشركة ”ديجيتورك“ تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار، بينما تكتمت الحكومة التركية على تفاصيل الصفقة.
تواطؤ أمني وسياسي
وذكرت "نورديك مونيتور" أنه بعد أربعة أشهر من صفقة البيع، توقفت “ديجيتورك”، التي أصبحت قطرية، عن تزويد شبكات التلفزيون الناقدة لأردوغان أو المعارضة لحكومته، وهي الخطوة التي جاءت قبل أن تستضيف الشركة إحدى القنوات السبع المحظورة، وهي شبكة ”بوغون تي في“، صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الذي ساعد كتلة المعارضة على استعادة الأغلبية في انتخابات يونيو 2015، وتم سجنه لاحقاً من قِبل حكومة أردوغان، ليواجه حزبه الآن إغلاقاً محتملاً.
وانكشفت بالفعل لعبة التواطؤ بين نظامي الدوحة وأنقرة على الشعب التركي والمعارضة، وهنا دعا اتحاد نقابات المستهلكين (TBF) مشتركي ”ديجيتورك“ للانضمام إلى المقاطعة في 9 أكتوبر.
وحينذاك، رد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض "كمال كيليجدار أوغلو"، على قرار الشركة القطرية، وأعلن في 8 أكتوبر 2015 أنه سيلغي أيضاً اشتراكه، داعيا الجميع لنفس الأمر.
ورفع الأتراك دعوى قضائية ضد “ديجيتورك”، والتي أصدر فيها القاضي مصطفى كولكر أمراً قضائياً ضد المجموعة القطرية، من محكمة المستهلك الأولى بمرسين، وكانت النتيجة تدخلاً سافرًا من حكومة أردوغان التي أثارت القاضي على الفور واستبدلته بقاضٍ جديد هو تشوليكر، الذي برر للشركة القطرية ما فعلته بأن ذلك قضية تجارية عادية.
وبحسب "نورديك مونيتور"، كان الأمر غريبا في هذا التحقيق، إذ استندت حكومة أردوغان على قرارات الشركة القطرية، واعتبرت أن المحتجين على قرار ”بي إن“ ممن الغوا اشتراكاتهم ”إرهابيون“، لتبدأ سلطات القضاء المسيطر عليها من أردوغان في اتخاذ إجراءات جنائية ضد الأشخاص الذين ألغوا اشتراكاتهم في ذلك الوقت.
وتم التحقيق مع عشرات الآلاف من الأشخاص منذ ذلك الحين، لتحديد ما إذا كانوا ألغوا اشتراكاتهم في ”ديجيتورك“، وهو ما اعتبره أردوغان كافياً لإدانتهم بتهم الإرهاب في محاكمات صورية داخل محاكم تركيا.
مئات الوثائق
وعرضت ”نورديك مونيتور“ المئات من الوثائق التي أصدرتها شركة ”بي إن ميديا“، موضحة أهميتها في تسويغ إدانة منتقدي أردوغان بأحكام جماعية مشينة.
وكشفت الشركات التابعة لـ“ديجيتورك“ عن بيانات العملاء بما في ذلك التسجيلات وشكاوى العملاء إلى المدعين العامين والمحاكم التركية، لدعم القضايا الجنائية ضد منتقدي الحكومة من المعارضين أو حتى المواطنين العاديين.
ودللت الصحيفة الاستقصائية "نورديك مونيتور" بأمثلة على ذلك، من بينها استجواب الشرطة لرجل الأعمال بيلجين كاراكا، في 17 أكتوبر 2018، حول سبب إلغاء اشتراكه في ”ديجيتورك“.
وكانت كل تحريات الشرطة هي نسخة من فاكس أرسله كاراكا إلى الشركة القطرية في 13 أكتوبر 2015، بعد أن اشتكى من إزالة ”ديجيتورك“ لشبكات تلفزيونية مهمة من المنصة، وإنهاء خدمتها، إذ اعتبر نظام أردوغان هذا الخطاب دليلا على اتهام الرجل بالإرهاب!
وبحسب الصحيفة، أصبح المدعون العامون والقضاة الموالون لنظام أردوغان يصنفون إلغاء أي شخص لاشتراكه في خدمة ”بي إن“ بأنه عمل إجرامي، يصنفونه كنشاط إرهابي!