الجراد الصحراوي يطرق أبواب تونس.. استنفار حكومي لمواجهة الخطر المحتمل

الجراد الصحراوي يطرق أبواب تونس.. استنفار حكومي لمواجهة الخطر المحتمل

الجراد الصحراوي يطرق أبواب تونس.. استنفار حكومي لمواجهة الخطر المحتمل
الجراد

في ظل تقلبات مناخية حادة، عاد شبح الجراد الصحراوي ليهدد مناطق جديدة في شمال إفريقيا، حيث سجلت تونس أولى مؤشرات انتشاره في جنوب البلاد، هذا الزائر غير المرحب به يحمل معه مخاطر جسيمة على القطاع الزراعي، ويثير مخاوف من تكرار كوارث بيئية سابقة شهدتها المنطقة، وبينما تُؤكد السلطات التونسية أن الوضع لا يزال تحت السيطرة، فإن تجارب الدول المجاورة، مثل ليبيا والجزائر، تدق ناقوس الخطر بشأن قدرة هذه الحشرة على التكاثر السريع وإلحاق خسائر فادحة بالمحاصيل الزراعية. فهل تستطيع تونس تفادي السيناريوهات الكارثية التي رافقت انتشار الجراد في السنوات الماضية، أم أن الاستعدادات الحالية قد لا تكون كافية؟

تحركات الجراد تصل تونس.. والسلطات تستعد


أعلنت وزارة الفلاحة التونسية، في بيان رسمي، عن رصد أعداد متفرقة من الجراد الصحراوي في منطقة الذهيبة بمحافظة تطاوين، جنوب البلاد، موضحة أن هذه الحشرات وصلت بفعل الرياح الجنوبية القادمة من المناطق الصحراوية المجاورة.


وعلى الرغم من أن الأعداد المكتشفة حتى الآن لا تزال محدودة، أكدت الوزارة أن فرق المراقبة تجري عمليات مسح مكثفة لتقييم حجم التهديد المحتمل واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة.


وأشارت الوزارة إلى أن انتشار الجراد الصحراوي في عدد من دول الساحل الإفريقي، لا سيما في ليبيا، جاء نتيجة توافر بيئة ملائمة لنموه، حيث ساهمت الأمطار الغزيرة ووفرة الغطاء النباتي في تعزيز قدرته على التكاثر.


وأوضحت أن الأوضاع الجوية في تونس حاليًا لا توفر الظروف المثالية لازدياد أعداده، إلا أن إجراءات الطوارئ مستمرة تحسبًا لأي تطورات مفاجئة.

تهديد للأمن الغذائي واستنفار لمكافحته


بحسب الخبير البيئي د. بلال علي، فإن الجراد الصحراوي يُعد واحدة من أخطر الآفات المهددة للزراعة، نظرًا لسرعته في الانتشار وقدرته على التكيف مع بيئات متنوعة.


وأشار إلى أن مناطق واسعة في الجنوب الليبي والجزائري تعرضت خلال الأسابيع الماضية لموجات متزايدة من الجراد، مما تسبب في إتلاف مساحات زراعية شاسعة، الأمر الذي يثير القلق بشأن انتقاله إلى دول الجوار.

وأضاف الخبير أن تونس تُواجه معادلة صعبة، إذ إن تفشي الجراد على نطاق واسع قد يُؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما قد يفاقم الأوضاع الاقتصادية المتوترة أصلًا.
كما حذر من أن عدم التدخل السريع قد يسمح بتكاثر الجراد وتحوله إلى أسراب ضخمة يصعب احتواؤها لاحقًا.

إجراءات وقائية وخطط احترازية


في ظل هذه المخاوف، كثفت الجهات المختصة استعداداتها عبر تنفيذ حملات مراقبة جوية وبرية لتعقب تحركات الجراد، مع تجهيز فرق التدخل السريع بالمبيدات والمعدات الخاصة برش المبيدات.


وأكدت وزارة الفلاحة أن تونس تمتلك خطة وطنية لمكافحة الجراد، تشمل التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية لتبادل المعلومات واتخاذ التدابير الوقائية المناسبة.


إلى جانب ذلك، أوصى خبراء الزراعة بضرورة إشراك المزارعين في عمليات الرصد المبكر والتبليغ عن أي ظهور جديد للجراد، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع دول الجوار، خاصة ليبيا والجزائر، لضمان تنسيق الجهود في احتواء انتشار هذه الآفة.

هل تتكرر أزمة الجراد؟


تُؤكد منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن الجراد الصحراوي يشكل أحد أخطر التهديدات للإنتاج الزراعي في العالم، حيث يمكن للسرب الواحد، الذي يضم نحو 80 مليون جرادة، أن يستهلك في يوم واحد كمية من المحاصيل تكفي لإطعام 35 ألف شخص، مما يجعله عاملًا رئيسًا في تفاقم أزمات الأمن الغذائي، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة. 


وأوضح الخبير البيئي د. بلال علي أن الجراد الصحراوي ليس مجرد تهديد موسمي عابر، بل يُمثل تحديًا استراتيجيًا طويل الأمد للدول التي تقع في نطاق انتشاره، مشيرًا إلى أن خطورته تكمن في سرعته الهائلة في التكاثر والتنقل عبر مسافات شاسعة بفعل الرياح، مما يجعل احتوائه مهمة معقدة تتطلب تكاملًا بين الاستجابة السريعة والتخطيط المستدام.  


وأشار إلى أن نجاح جهود المكافحة يعتمد على عدة عوامل رئيسة، أبرزها الرصد المبكر عبر تقنيات الاستشعار والمسح الجوي، وتفعيل خطط التدخل العاجل برش المبيدات في البؤر المكتشفة قبل تضاعف الأعداد، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول المتضررة، خاصة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، لتنسيق الجهود ومنع تشكل أسراب ضخمة يصعب السيطرة عليها لاحقًا.


وحذر د. بلال علي من أن إهمال اتخاذ التدابير الوقائية قد يؤدي إلى تفشي موجات جراد كارثية، مثل تلك التي اجتاحت شرق إفريقيا في السنوات الأخيرة، مهددة الأمن الغذائي ومعيشة ملايين المزارعين.


وشدّد على أن الدول المعنية بحاجة إلى تطوير خطط دائمة لمواجهة هذه الظاهرة، تشمل دعم الأبحاث حول سلوك الجراد، وتعزيز جاهزية فرق التدخل السريع، وضمان توفر مخزون كافٍ من المبيدات والموارد اللوجستية اللازمة لمكافحة انتشاره بفعالية.