ودٌّ دبلوماسي ومواجهة خفية.. ترامب وماكرون بين المصافحة والخلاف حول أوكرانيا

ودٌّ دبلوماسي ومواجهة خفية.. ترامب وماكرون بين المصافحة والخلاف حول أوكرانيا

ودٌّ دبلوماسي ومواجهة خفية.. ترامب وماكرون بين المصافحة والخلاف حول أوكرانيا
ترامب

في اجتماع بالبيت الأبيض، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مظاهر الصداقة والتعاون، لكن ذلك لم يخفِ الانقسام المتزايد بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الحرب في أوكرانيا.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فقد تزامن الاجتماع مع الذكرى الثالثة للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، حيث سعى الزعيمان لتجنب المواجهة العلنية، لكن مواقفهما اختلفت بشكل واضح حول أسباب الحرب، وأدوار كل طرف فيها، وسبل إنهائها. 

انقسام دولي واضح


جاء اللقاء وسط انقسام حاد في الأمم المتحدة بشأن قرار إدانة العدوان الروسي، حيث دعمت أوروبا ومعظم دول العالم أوكرانيا، بينما وقفت إدارة ترامب بجانب روسيا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، ما وضع الولايات المتحدة في معسكر نادر الحدوث تاريخيًا داخل المنظمة الدولية. 

وفي أوروبا، ظهرت مظاهر التضامن مع أوكرانيا بوضوح، حيث أُضيئت معالم بارزة مثل برج إيفل في باريس وبوابة براندنبورغ في برلين ومباني الاتحاد الأوروبي في بروكسل بألوان العلم الأوكراني، بينما لم يُظهر البيت الأبيض أي بادرة مماثلة. 

كما توجه العديد من قادة العالم إلى كييف تعبيرًا عن الدعم، بينما ركّز ترامب على التفاوض بشأن اتفاق يمنح الولايات المتحدة حقوقًا في الموارد الطبيعية الأوكرانية كتعويض عن المساعدات العسكرية. 

ترامب يسعى لإنهاء الحرب بشروطه


أعلن ترامب عن تحقيق "تقدم كبير" في محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معربًا عن ثقته في إمكانية إنهاء الحرب "خلال أسابيع" إذا تمت إدارة الأمور بذكاء. 

كما ألمح إلى إمكانية زيارته لموسكو في حال التوصل إلى اتفاق سلام، في خطوة من شأنها تعزيز موقف بوتين، الذي يواجه مذكرة اعتقال دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. 

ومن جانبه، شدد ماكرون على ضرورة أن لا يكون السلام على حساب سيادة أوكرانيا، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار لا يجب أن يكون دون ضمانات واضحة. في المقابل، لم يذكر ترامب أي ضمانات لسيادة أوكرانيا، ورفض وصف بوتين بالديكتاتور، بينما أطلق تصريحات مضللة حول حجم الإنفاق الأمريكي مقارنة بالأوروبي لدعم أوكرانيا. 

جدل حول المساعدات المالية


كرر ترامب مزاعم بأن الولايات المتحدة أنفقت 350 مليار دولار لدعم أوكرانيا بينما أنفقت أوروبا 100 مليار دولار فقط، وهو ما يخالف الحقائق، حيث تُظهر بيانات "معهد كيل للاقتصاد العالمي" أن أوروبا خصصت 138 مليار دولار مقارنة بـ119 مليار دولار من الولايات المتحدة. كما ادعى ترامب أن أوروبا تُقرض أوكرانيا الأموال وتستردها، وهو ما نفاه ماكرون بشكل قاطع، مؤكدًا أن المساعدات شملت منحًا وضمانات قروض وتمويلًا مباشرًا. 

ضغوط أوروبية لمواجهة سياسات ترامب


وأدت عودة ترامب إلى السلطة إلى توترات كبيرة مع الحلفاء الأوروبيين، حيث هدد بفرض رسوم جمركية على السلع الاستهلاكية الأوروبية، وطالب الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي، واتخذ مواقف متشددة تجاه أوكرانيا. وفي مؤتمر ميونيخ، ألقى نائب الرئيس جي دي فانس خطابًا مثيرًا للجدل، زاعمًا أن التهديد الأكبر لأمن أوروبا ليس روسيا أو الصين، بل سياساتهم الداخلية. 

وفي هذا السياق، عقد ماكرون اجتماعات مع القادة الأوروبيين لوضع خطة للتعامل مع السياسات الأمريكية الجديدة، ثم توجه إلى واشنطن للقاء ترامب في محاولة لتنسيق المواقف بشأن أوكرانيا.

 كما تزايدت الزيارات الأوروبية إلى العاصمة الأمريكية، حيث حضر الرئيس البولندي أندريه دودا مؤتمرًا للمحافظين للقاء ترامب، فيما يعتزم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر زيارة البيت الأبيض قريبًا. 

علاقة معقدة بين ترامب وماكرون

العلاقة بين ترامب وماكرون شهدت محطات متباينة، من المصافحة القوية التي تعكس تنافسًا على الهيمنة إلى تبادل المجاملات والابتسامات خلال اللقاءات الرسمية. 

وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، كرر ماكرون التأكيد على ضرورة مواجهة بوتين بحزم، مشيرًا أنه قطع الاتصال به منذ مجازر بوتشا عام 2022، لكنه في الوقت ذاته أبدى دعمه لجهود ترامب الدبلوماسية الجديدة. 

كما شدد ماكرون على أهمية التحقق من أي اتفاق مع روسيا، مستشهدًا باتفاقيات مينسك التي تم التوصل إليها بعد غزو روسيا الأول لأوكرانيا عام 2014 لكنها انهارت لاحقًا. 

ورد ترامب بالإشارة أن من مصلحة روسيا إبرام صفقة، دون توضيح تفاصيل التنازلات التي يجب أن تقدمها موسكو. 

مستقبل غامض للمفاوضات


أكد ترامب، أنه يعتقد أن بوتين يريد التوصل إلى اتفاق سلام، لكنه ترك الباب مفتوحًا لاحتمال الفشل. 

كما كشف عن محادثات حول نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا لمراقبة أي اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو مقترح دعمه ماكرون، مشيرًا أن أوروبا بحاجة لتحمل مسؤولية أكبر في الأزمة، بينما شدد على أن الولايات المتحدة "ستبقى داعمة".


وفي المقابل، ما تزال هناك شكوك حول مدى استعداد بوتين لقبول وجود قوات أجنبية في أوكرانيا، وسط تركيزه على المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها روسيا من تحسين العلاقات مع واشنطن. 

وفي مقابلة حديثة، أشاد بوتين بترامب، واصفًا إياه بأنه "يقول ما يريد، وليس فقط ما يفكر فيه"، في إشارة إلى أسلوبه غير التقليدي في الدبلوماسية.